اليوم أحقُّ من غدٍ
تحية لمن يستمسك بالموجود قبل أن يُمسي مفقوداً، لمن يستعين بتزيين مضارعه، عوضاً عن التحسّر على الماضي الجميل.
من نكد الدهر تسرمد الشقاء بالإصرار على التنقيب على لآلئ المحبة بمناجم أفئدة القساة، فوفقاً لعالم النفس – فرو دنبرجر – «البشر يقعون ضحايا للحرائق تماماً كالمباني تحت وطأة الانصياع للضغوط الناتجة عن الاجتهاد والإفراط في مساعدة وتحمل واستيعاب الآخرين على حساب أعصابهم وطاقاتهم، فيصابون باستهلاك مواردهم الداخلية وانهيار طاقاتهم المبدّدة في محاولات ابتلاع جرعات غيظهم أو ادعاء تقبل الإهانات التي اقترفت في حقهم، فيحدث الاحتراق الداخلي، نتيجة الإمعان في الضغط على الذات، حتى وإن بدا الغلاف الخارجي سليماً».
فالبعد عن الاعتدال يقود للشطط، والأخير مشتق من الشط أو الشاطئ وهو الحافة أو الطرف البعيد عن البحر، فالاعتدال في الأمور أخْيَرُها والتمعن بالحاضر خير من الماضي آلافاً مضاعفة.
ظاهرة «الزوم» في التصوير تثبت أن تعمّد الاقتراب يبرز عيوب الصورة، والمبالغة في الابتعاد تبهت الرؤية، لذا لا داعي لتهويل الأمور بل عيش تفاصيل اليوم، كما هو دون مبالغة بذكر الماضي ومن دون الخوف من المستقبل.
عشب الحنين ينمو بين مفاصل الذاكرة، حتى يكسر ضلوع خاصرة حاضرك، وبينما تتنزه الذاكرة بين أروقة مراتع الطفولة، سيفوتك الكثير من اللحظة الحاليّة وتنسى عيشها كما يجب أن تعاش.
التقدير لمن يرى الجميل في يومه، لا في قصة الأمس، للمتلفتين للمتوفر عوضاً عن العسعسة عن النواقص.
تحية لمن يقدر وظيفته قبل التقاعد، وتحية لمن يقرّر كبح جماح صاري الهموم، وقرر أن يفرد شراع السرور، لمن لا يُعطي هواجس المستقبل فوق ما تستحق.
تحيّة لمن ينتبه لحتمية التعامل مع هدايا السماء بكل وقت وحين ولا يدع الـ (لو) تغلب حديثه.
تحية لمن حذر من ستائر المجاملات الحياتية اليومية، فهي تطيل النُعاس وتؤجل اليقظة.
تحية لمن أدرك في كل يوم أن الحمد واجب فالنعم لا تبور سوى بُعيد تجفيف النفس من الحمد والعرفان، بينما لا يطرح الرضا سوى غلّات الصحة، عدا أن شتلات القناعة تسمد ثمار الراحة، لمن يتعاملون مع نعم المُنعِم على أنها شيء غير عادي.
تحية لمن لم تهزمه هموم أرزاق الغد، فتحرمه النصر بوفرة خبز اليوم، تحية لمن يرى في قوارير مؤن بيته الربع ممتلئة، طمأنينة.
تحية لمن عرف عيش اللحظة وعيش المضارع قبل فواته..
صباح برجس العلي