يا صاحب الغبطة: ماذا عن حزب إيران في لبنان؟
ناصر قنديل
– لو لم ينطق بها البطريرك بشارة الراعي لما كانت تستحق النقاش. هذه الجملة التي يواصل تداولها ناشطون لا يمثلون العشرات، وقد ظهر جمعهم في تظاهرة الدعوة لإغلاق السفارة الإيرانية التي نظموها أمام وزارة الخارجية اللبنانية قبل ايام، بعد دعوات مكثفة اعلامياً وعلى وسائل التواصل وفاق العدد المشارك الثمانية بواحد، أما وقد قالها البطريرك الراعي الذي يمثل كنيسة لبنانية عريقة، ويتربّع على رأس صرح ديني كبير، ويستمع اليه اللبنانيون وغير اللبنانيين باحترام وتقدير وإصغاء، فقد صار النقاش حتمياً لا مفرّ منه، تصويباً وتصحيحاً كي لا يتحول التداول من دون التدقيق عادة، جرياً على عادة ان كبارنا قالوا، فهل نشكك او ندقق بقول الكبار؟
– هل يعني أولاً الحديث عن ان حزب الله قوة إيرانية في لبنان، او أنه حزب إيراني، تخيّلاً لحزب الله بصورة آلاف المواطنين الإيرانيين الذين يحملون سلاح وعلم بلادهم فوق الأرض اللبنانية، وهو ما يفهم ظاهراً من أحاديث البعض عن الاحتلال الإيراني، ولأنهم يعلمون أن هذا الكلام خرافة وسخافة، ولأننا نعلم انهم لا يقصدون ذلك، سننتقل الى ما يقصدون، ونناقش، والقصد أن حزب الله هو 265 ألف صوت في الانتخابات النيابية، أي انه اكبر مجمّع تصويت لبناني لحزب واحد، او لجبهة أحزاب، وانه مع حلفائه المعلنين الذين يؤيدون سلاحه موضوع النزاع والاحتجاج والاتهام، يشكل مجمعاً تصويتياً يضم 710 آلاف صوت لبناني، مقابل 625 ألف صوت لخصومهم، فهم يعلمون، ونحن نعلم انهم يعلمون، اننا نتحدث عن اتهام اغلبية لبنانية موصوفة بغير اللبنانية، ويطعنون بلبنانيتها، من دون ان يملك احد منهم شرعية إلهية او وضعية لمنح الهوية اللبنانية ونزعها، فعلى حد ما نعلم ويعلمون، أن المقصود باللبناني هو من ولد من أبوين لبنانيين، أو مضى على نيله الجنسية اكثر من عشر سنوات، وبالمناسبة نسبة الذين نالوا الجنسية بين أصوات خصوم الحزب وسلاحه أعلى من نسبتهم بين مؤيديه، فمن يملك الحق بنزع الهوية اللبنانية عن لبناني لأنه يختلف معه في الرأي؟ وأين أصبح نص الدستور الذي يحترم حرية الرأي والمعتقد، أم هو عهد محاكم تفتيش جديدة يريد البعض توريط البطريرك بالإيحاء أن الكنيسة تنصبها، فاحتمى هؤلاء بظلالها طالما ليس لغيرها من الطاعنين بلبنانية اخوتهم في الوطن صفة؟ أم هي ذميّة سياسية تلقى بلغة المظلومية والمسكنة على لبنانيين آخرين، فيما يجري اتهامهم بأنهم يحكمون البلد؟ أم محاولة توريط الكنيسة بشكل من الحرم الكنسي، يصير إلقاء حرم وطني على لبنانيين آخرين؟
– هل يسمح الكلام عن لبنانيين يحملون السلاح، بنزع الهوية اللبنانية عنهم، ام هو يجعل السلاح موضوعاً خلافياً، وقد حيّدنا عن النقاش موضوع هدف حمل السلاح والنقاش حول أحقيته، وهل الكلام عن أن إيمان لبنانيين بمرجعية دينية أو فكرية وعقائدية وسياسية خارج لبنان، كما آمن الناصريون بجمال عبد الناصر، يسمح بوصفهم بغير اللبنانيين، فهل هذا يعني أن اللبنانيين الذين يرفعون صور الملك السعوديّ في كل مناسباتهم بما فيها تلك التي مجّدتها الكنيسة، كمناسبات الاحتفال في الرابع عشر من آذار عندما احتلت صورة الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز صدارة المشهد،، فهل صار هؤلاء سعوديين نُزعت عنهم لبنانيتهم؟ ويبقى الأصل هل من ينزع الهوية هو جهة مرجعيّة تنال تفويضاً من جميع اللبنانيين، أم هو تفويض يريد بعض المتظللين بالكنيسة دفعها للإيحاء بأنه تفويض إلهي لا يحتاج موافقة الذين لا ينتمون لهذه الكنيسة، فصاغوا في عقولهم نصاً غير مكتوب من الدستور، يلزم كل حامل للهوية اللبنانية، حتى لو لم يعرف به أو يطلع عليه أو يبلغ به او يشارك في منحه، وهؤلاء يريدون الإيحاء وتوريط البطريرك معهم، بأن نص الدستور على أن اللبنانيين متساوون امام الدستور وأن الدستور يكفل لهم حرية الرأي والمعتقد بنص، لا قيمة له، وأن نصاً آخر قد أحلوه مكانه، فجعلوا من نص يعلي شأن الكنيسة مصدراً لتوريطها، وفلسفوا عبارة، مجد لبنان أُعطي له، ليصوروا رأس الكنيسة المارونية يمنح الجنسية لمن يشاء وينزعها عمن يشاء، ببركة الله يمنح وبغضبه ينزع، فأساؤوا للكنيسة والدستور والوطن، وفرضوا علينا طرح السؤال هنا: هل التبعية للسعودية وقبلها عبر تاريخ لبنان لفرنسا، عناصر تعطل نزع اللبنانية عن التابعين أم أنها مستثناة، وقد حصرها النص الإلهي بحزب الله ومن قبله بكل من أحبّ سورية واتخذها شقيقاً ونصيراً وحليفاً؟
– بالمناسبة جاءتنا المكرمة السعودية الجديدة بإقفال الحدود أمام المنتجات الزراعية اللبنانية، بذريعة تهريب مخدرات لم يبذل السعوديون جهداً لمتابعة أمرها مع الجهات الشقيقة في بلد شقيق، كما يفترض، بينما لو فعلتها سورية وقد أرسل لها لبنانيون المتفجرات وآلات الموت، لقامت الدنيا وما قعدت. فإذا كان جزء من الطعن بلبنانية حزب الله ناتجاً عما يقوله البعض وقالته الكنيسة عن انتقادات الحزب للسياسات السعودية، واعتبارها مصدراً لتأزيم العلاقات معها، فهل شتيمة سورية وإيران التي تتكرّر صبحاً ومساء من لبنانيين آخرين، تترجم مفهوم الحياد؟ ولماذا لم يقترح المستشارون أن يرد ذكرها مرة واحدة في الخطاب البطريركي لمنح النظرية المقترحة قدراً من المصداقية؟
– لن ندخل في نقاش المقارنات، أيهما أقوى وأفعل في لبنان النفوذ الإيراني ام النفوذ الأميركي، في الجيش والمؤسسات الأمنية، وفي المصارف، وفي الجامعات، وفي الصناعة، وفي السلك الدبلوماسي، فذلك نقاش يوصلنا بمقابلة نفي الوطنية عن جزء من اللبنانيين بنفيها عن جزء آخر، ونحن نريد العودة إلى كلمة سواء تنطلق من الاعتراف المتبادل الأولى بالاختلاف، وثانياً بحق الاختلاف، وثالثاً بوجود خلاف ولكن الدعوة لمناقشة هذا الخلاف، بدلاً من لغة النفي والتبعيض، ورفضاً لنزع اللبنانية عن لبناني لأنه مختلف، لا يمكن أن يقابله قبول بنزعها عن لبناني آخر لأنه مختلف.
– لذلك ليس مقام الكلام هو المضي للخلاف حد الخصومة، ولا يجوز أن يعني كلامنا أن باب النقاش قد اقفل عندنا، واننا اردنا رفع الحرم عن حق الاختلاف ولو حول السلاح لسحب البساط من تحت كل دعوة للنقاش. فالجواب هنا هو قطعاً بالنفي، فالمعترض على السلاح هو رأس كنيسة جزيلة الاحترام وعالية المقام، وزعيم ومرجعية مثقف ولا شك في صدق نياته، ولا بسعيه لخير الوطن، لكن هناك من ورطه بنص لا ينتج الا الفتن، فقدر اللبنانيين أن يتقبل احدهم الآخر مهما اختلف، وان يحفظ له الود والتقدير وحق الاختلاف وحرية الاعتقاد، أما السلاح فهل يصح في مقاربته التوجه نحو الأمم المتحدة لقرار تنفيذي لقرار سابق بنزعه، بما يعني إذا أخذ بالرغبة البطريركية، حرباً يعلم أحدنا كيف تبدأ ولا يعرف كيف تنتهي، ومؤلم أن يكون زادنا لتجنبها هو يقيننا بأنها لن تجد من يصغي، وأن العالم يدرك ما كنا نتمنى لمن ورط صاحب الغبطة أن يدركه أكثر، ونحن كلبنانيين يفترض بنا أن نريد لدعواته أن تقبل، فلماذا نحشر بين الدعوة لقبول دعواته، وهي مدخل لخراب عميم، أو تمني سقوطها وهذا أمر سقيم؟
– نتمنى على غطبته إعادة النظر، وإبعاد جمع المتربعين من حوله، “وقل أعوذ برب الناس من شر الناس ومن شر الوسواس الخناس”، والدعوة لحوار وطني حول السلاح وغير السلاح، وحول الحياد وغير الحياد، لوفاق يجمع اللبنانيين، فلا وجود للبنان الرسالة من دون الوفاق القائم على قبول التعدد، عملاً بالإرشاد الرسولي للبابا يوحنا الثاني، رجاء جديد للبنان وما ورد فيه “من أجل قيام الحوار البنّاء والاعتراف المتبادل، وبمنأى عن التباينات الكبيرة بين الأديان، من الأهمية بمكان أن يُصار إلى العمل، أوّلاً وقبل كل شيء، على تبينّ ما يجمع ما بين اللبنانيين في شعب واحد، وفي إخوّة مشتركة تتجلّى في لبنان يوميّاً، وبخاصة في العيش المشترك. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر المسيحيّون والمسلمون بعضهم بعضاً شركاء في بناء البلد؛ فتتألّق أكثر فأكثر في النفوس الرغبة في تعزيز التفاهم والتعاون في ما بينهم. وتنشأ في الواقع هيئات التقاء في سبيل مزيد من التعارف المتبادل العميق رغبةً في خدمة البلد معاً”، وكما اشار البابا فرانسيس الى أن “لبنان رسالة، لبنان يتألّم، لبنان أكثر من توازن وفيه ضعف التنوّع، بعضها ما زال غير متصالح، لكن لديه قوة المصالحة الكبرى كقوّة الأرز في لبنان”.