متى ينتهي الصراع الداخلي – الخارجي على الصيغة اللبنانية الحاكمة؟
} د. وفيق ابراهيم
لبنان السياسي محصور بعنفٍ شديد بين صراع داخلي طائفي على قيادة صيغته الداخلية الحاكمة وبين قتال خارجي يريد الإمساك بها بما يخدم نفوذه الاقليمي والخارجي والدولي.
لذلك فهذه الصيغة لن تتمكن من النجاح لأنّ عناصرها الخارجية والداخلية المتورّطة أصبحت أكبر من قدرات هذه الصيغة على التدخل الحاسم.
والدليل انّ الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري ينتقل من بلد الى آخر من دون أسباب مبرّرة ولا يتلقى بالتالي وعوداً حاسمة. كذلك رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب لم يحقق ما كان يتمناه في زيارته الأخيرة الى قطر حيث تلقى وعوداً غير حاسمة.
الى أن يتبيّن انّ الصراع القطري – السعودي على لبنان لم تظهر نتائجه بعد لأسباب أميركية فرنسية تؤمّن بتأجيل حلّ أزمة لبنان الى مواعيد أخرى.
هذا يكشف انّ وضع حدّ لأزمة لبنان ليست على سلم الأولويات الخارجية وتحديداً لدى الأميركي والفرنسي والسعودي والإيراني والسوري.
اما الأسباب فهي على علاقة مباشرة بالصراع بين الدول المتورّطة في أزمة لبنان والتي تريد تثبيته في قلب الصراع في الشرق الأوسط لإنجاز بعض ما تريده من أزماته وخصوصاً إلحاق هزائم متتالية بإيران وسورية مثلاً او بـ «إسرائيل» والأجنحة الموالية لها في لبنان.
فهل هذا ممكن؟ هناك جزء داخلي لبناني من الصراع يبدو على شكل سوري إيراني يعمل الأميركيون والفرنسيون على هزيمته من خلال بعض القوى الداخلية الأمنية والسياسية الى جانب محاولات سورية إيرانية لدعم الرئيس ميشال عون في حركات تصدّيه لفريق جعجع – الحريري ودعمه لحزب الله ولو بأشكال سلبية.
هذا التأييد من البطريرك ما هو إلا مشروع لإعادة إحياء صيغة 1920 او ربما أكثر مع شيء من التطوير بجذبها لقوى غير مارونية، لكنها لن تستطيع ممارسة أيّ أداء سياسي إلا من خلال مشروع البطريرك الراعي الذي يريد القضاء على حزب الله الإيراني على حدّ قوله وتسليم الموارنة الموالين له صيغة موديل 2021 تتعامل مع الأميركيين والفرنسيين والقوى الشرق أوسطية الموالية لهم والحياد في الصراع العربي «الإسرائيلي»، وهذا المشروع مشابه تماماً لأحلام القوات والكتائب والمستقبل، ويعمل من أجله سعد الحريري في زياراته المتنقلة من دولة الى اخرى في محاولات تحشيد ترتكز على المحور الفرنسي الأميركي السعودي الاماراتي مع إعلان حياد لبنان في الصراعات الاقليمية الشرق أوسطية ومعادات إيران وبالتالي حزب الله.
هنا يراهن الحريري على الرئيس بري في محاولة لجذبه من التحالف مع حزب الله ومنحه الدور الثالث في الصيغة اللبنانية بعد جعجع في قلب الصيغة الحاكمة الى جانب سعد الحريري في موقع مشابه والأستاذ نبيه في الدور الثالث، وهذا ما لا يرتضيه أبو مصطفى الذي يريد دوراً أساسياً للشيعة في صناعة الصيغة السياسية اللبنانية، لكنه يمتلك دوراً اساسياً كبيراً لا يظهره بشكل واضح، لكنه يخفيه للأيام الصعبة التي تظهر معادن الرجال وقيمتها السياسية القوية، والأستاذ واحد منهم وقد يكون الأكثر براعة.
يتبيّن اذاً انّ الصراع على الصيغة طويل الأمد، فجماعة التيار الوطني الحر مثلاً يتمركزون حول العمق الفرنسي لمصالح باريس ويعقدون معها اتفاقاً باطنياً يستند على تأييد ماكرون لعون من خلال الدور الأميركي أيضاً، وذلك لبناء الصيغة السياسية الحاكمة معتقدين انّ الفرنسيين وبابا روما قادرون على إقناع الأميركيين بأهمية تيار جبران باسيل في إعادة ترميم الصيغة المسيحية السياسية المارونية المتمكّنة من نصب سياسات هامة قوية لها في الشرق الأوسط من خلال التحالف مع سورية والتعارض النسبي مع عسكرية حزب الله ودوره الإقليمي.
هذه هي الأسباب الأساسية لطول الصراع على لبنان فأزمات الإقليم مستمرة في إيران وسورية و«إسرائيل» والسعودية، وما القتال المستجدّ بين سورية و«إسرائيل» بواسطة إطلاق صواريخ سورية على طائرات «إسرائيلية» وإصابة مواقع عسكرية لها في صحراء النقب وعودة «إسرائيل» الى قصف أهداف سورية قرب دمشق إلا التأكيد الأساسي على استمرارية هذا القتال المفتوح الذي يربط معه لبنان والأردن وأجزاء من المقاومة الفلسطينية وصولاً الى قطاع غزة وبعض أنحاء الضفة الغربية وإيران.
بما يؤكد انّ لبنان واقع في خضمّ هذه الأزمات وما عليه إلا بناء صيغة فعلية تحالفية من قواه الأساسية تجيد فنون الدفاع عن لبنان على المستويين السياسي والعسكري.
سياسياً لا بدّ من تحالفات عميقة بين الفريق الشيعي المتكوّن من حزب الله وحركة أمل مع تيار عون وجنبلاط وحيادية مستقبل سعد الحريري على أن ينأى سعد عن لبنان بسياساته الإقليمية الخاسرة ويلعب دور المؤيد لحلف عون – بري – نصرالله وجنبلاط، وذلك لتحسين الوضع الداخلي وفرض استقرار متين يؤدّي على الاقلّ لتأمين موارد اقتصادية لمحور سورية لبنان والدفاع عن البلدين معاً في وجه التآمر «الإسرائيلي» الجعجعي الكتائبي الواضح.
وهنا لا بدّ من التأكيد انّ المطلوب من لبنان ليس فتح جبهات ضدّ «إسرائيل» بل مجرد التحالف بين قواه الداخلية ومع القوى الخارجية لمنع محاولات انهياره وتفتيته من قبل المحور الأميركي «الإسرائيلي» حتى ولو اقتضى الامر عقد تفاهمات مع السعودية للمحافظة على دولة عربية كلبنان تشكل واجهة العالم العربي في وجه إصرار «إسرائيلي» على تدميرها وجعلها «إسرائيلية».