حسّان دياب… بطاقة تمويلية لوقف الاستنزاف واستمرار الدعم
} أحمد بهجة*
اعتاد اللبنانيون على أنّ كلّ ما يقوم به رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب هو تجسيد فعلي لما يُفترض أن يقوم به رجل الدولة المسؤول، الذي لا يبتغي أيّ مصلحة خاصة سواء سياسية أو انتخابية أو مالية أو غير ذلك، إنما الهاجس فقط هو تأدية الواجب وخدمة الوطن من خلال تحمّل المسؤولية وبذل أقصى الجهود في سبيل المصلحة العامة.
وفي هذا السياق تماماً أتت زيارته إلى دولة قطر قبل أيام، حيث حاول البناء على العلاقات الجيدة بين الدولتين وفتح أبواب جديدة من التعاون المثمر، خاصة في ظلّ ما يشهده لبنان من أزمات متراكمة تزداد تعقيداً لعدة أسباب داخلية وخارجية.
طبعاً يدرك الرئيس دياب أنّ فتح ثغرات في جدار الحصار المفروض على لبنان ليس مسألة سهلة، لكن ذلك لم يقف عائقاً أمام الزيارة، التي تميّزت بحفاوة الاستقبال، والتي تخللتها لقاءات واجتماعات مع كبار المسؤولين القطريين على رأسهم أمير الدولة تميم بن حمد ورئيس الوزراء وزير الداخلية خالد بن عبد العزيز آل ثاني، وجرى البحث والنقاش في جوانب عديدة تخصّ العلاقات المشتركة بين البلدين. لكن التركيز الأساسي كان على بعض الأفكار المدروسة التي حملها الرئيس دياب في جعبته وأهمّها موضوع البطاقة التمويلية التي لم يعد هناك مهرب من اعتمادها بالنظر إلى حتمية ترشيد الدعم الذي طُبّق بعشوائية يجب أن تنتهي بأسرع وقت ممكن.
ولأنّ طرح الرئيس دياب جاء مدروساً ومتماسكاً فقد لقيَ الاهتمام الواضح من المسؤولين القطريين وأولهم الأمير تميم الذي طلب من رئيس وزرائه متابعة الأمر مع الرئيس دياب تمهيداً لاتخاذ القرار المناسب في هذا الشأن.
أما ملخص هذا الطرح الذي جرى درسه بشكل مستفيض فهو أن تقوم الحكومة اللبنانية بإصدار بطاقة تمويلية لنحو 750 ألف عائلة، أيّ بما يشمل حوالى ثلاثة ملايين مواطن أصبحوا بحاجة ماسّة إلى المساعدة نتيجة تردّي الأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية في لبنان.
السبب الأوّل الذي دفع إلى هذا الطرح هو ضرورة وقف الاستنزاف الحاصل لما تبقى من احتياطي بالعملات الصعبة في المصرف المركزي من جراء سياسة الدعم العشوائية التي جرى اعتمادها لمصلحة عدد محدود من التجار الكبار وبعض أصدقائهم ورعاتهم من أركان الطبقة السياسية الذين ما زالوا مصرّين على اتباع الأساليب السابقة نفسها رغم كلّ هذا الخراب الذي حلّ بالبلد بسبب سياساتهم القائمة على الفساد والهدر والمحسوبيات.
وكما هو معلوم فإنّ الدعم بصيغته الفضفاضة الحالية يكلّف شهرياً أكثر من 500 مليون دولار، ولا يصل منه إلى المستحقين أكثر من 60 في المئة، بينما يذهب الباقي إلى التجار والمستوردين، وأيضاً إلى الشرائح التي لا تحتاج للدعم وكذلك إلى غير اللبنانيين المقيمين في لبنان مثل قوات اليونيفيل والنازحين واللاجئين… وهؤلاء جميعاً يحصلون على الدعم من جهات أخرى.
ولا ننسى أنّ 70 في المئة من المجتمع أصبح من الطبقة الفقيرة، وبالتالي يكفي أن نقول بما أنّ 80% من الدعم يذهب إلى مشتقات المحروقات فبالتالي هو يصل حكماً إلى 56% في المئة من الفقراء بالحدّ الأدنى.
ولأنّ الشريحة المحتاجة من الشعب اللبناني لا يمكنها الاستغناء عن الدعم، خاصة أنّ هذه الشريحة آخذة في التزايد مع الانحدار الكبير للقيمة الشرائية للعملة الوطنية، لا بدّ من اعتماد آلية بديلة للاستمرار في هذا الدعم لأطول فترة ممكنة، على الأقلّ ريثما يتمّ تشكيل الحكومة الجديدة ومن ثم ريثما تبدأ الحكومة باتخاذ القرارات واعتماد الخطوات الاقتصادية المطلوبة لإعادة تحريك عجلة الاقتصاد ووضع القطار على السكة من جديد.
من هنا كان طرح فكرة البطاقة التمويلية كونه الأنسب لتأمين استمرار الدعم، وإذا افترضنا أننا نريد دعم 750 ألف عائلة بمئتي دولار أميركي شهرياً (يعني حوالى مليونين ونصف مليون ليرة لبنانية وفق أسعار الصرف الحالية) يكون مجموع ما تتكبّده الخزينة 150 مليون دولار شهرياً، وليس 500 مليون دولار يذهب قسم منها إلى بعض الجيوب والحسابات المصرفية في الخارج.
هذا الإجراء ليس معقداً على الإطلاق وبإمكان المجلس النيابي إقرار القانون اللازم كما بإمكان حكومة تصريف الأعمال أن تنفذه، خاصة أنّ اللوائح بأسماء العائلات المحتاجة موجودة في حوزة الجيش اللبناني. ويمكن إعادة النظر فيها قليلاً لأنّ هناك عائلات جديدة دخلت إلى خانة العائلات المحتاجة بعد التدهور المريع في القيمة الشرائية للعملية الوطنية.
لا شك أنّ هذا الإجراء هو إجراء مؤقت يعالج المرض المستعصي بالمسكنات، بينما نحتاج إلى علاجات جذرية موجعة بلا شك لكنها على المدى الطويل علاجات إنقاذية.
ختاماً… نتأمّل مع الرئيس دياب، صاحب التفكير الإيجابي دائماً رغم ثقل المسؤولية، نتأمّل أن تتجاوب دولة قطر وتلبّي الحاجة اللبنانية الماسّة لتمويل هذه البطاقة، وهي مساعدة لمجموع اللبنانيين وليس لفئة دون أخرى، كما أنها تصل مباشرة إلى الناس وليس إلى أيّ مرجعية سياسية أو طائفية يمكن أن تستغلّ الأمر لتحقيق مصالح وغايات أخرى غير الغاية الأصلية من كلّ ما تقدّم وهو الاهتمام بالناس الذين لم يعد بمقدورهم الاستمرار إلا إذا وصل إليهم الدعم بطريقة مباشرة.
*خبير مالي واقتصادي