«فَلَتْ المَلَقْ»
} المحامي عمر زين*
في هذا الزمن لا أحد يقوم بعمله، أو باختصاصه أو بتجارته وكذلك العاملين في الوظيفة العامة، والأمثلة على ذلك كثيرة وتنطبق على الجميع، ما عدا عددا قليلا جداً ما زال يقوم بعمله ضمن الاطر النظامية المحددة.
هل يُعقل أن يقوم طبيب بالتنظير في الصناعة والتجارة والدين ويترك فحص المريض وتوصيف مرضه وإعطائه الدواء الناجع، وهل يُعقل ان يقوم الجزار وبائع الخضار وغيرهم من أصحاب الأعمال الحرة بالتنظير في الأعمال الهندسية، وهل يُعقل أن يُنَظّر القاضي والمحامي في صناعة الصواريخ، وهل يُعقل ان يُنَظّر رجل الدين مهما بلغت ثقافته بالدستور والقانون وأن يقدّم الفتاوى ويحكم بأنّ هذا الأمر دستوري أو قانوني أو ليس كذلك، ويصدر الأحكام وهناك من هو مكلف دستوراً وقانوناً بأن يصدرها باسم الشعب اللبناني.
نقول لهؤلاء جميعاً رجاء «يَلّلي فِينَا بِكَفِّينَا» حيث وصلنا الى مرحلة الانهيار بسبب الطغمة الفاسدة، مما يوجب على المواطن مهما كان عمله عاماً أو خاصاً أن يكون منضبطاً ضمن أصول العمل الذي يقوم به، دون ان يتخطى هذه الأصول كي لا يختلط «الحَابِل بالنَابِل» وتضيع الحقيقة، فيستفيد الفاسدون والمهرّبون والمجرمون من الفوضى العارمة، وتُضاف إليها الأحكام والاجتهادات والفتاوى التي تصدر ممن ليس لهم صلاحية في إصدارها، مما يشكل مظلة عن حسن نية او سوء نية لهؤلاء، وهنا الطامة الكبرى، وفي هذا الوقت بالذات حيث الشعب يفتش عن الذين أوصلوه الى ما وصل اليه، والى الذين سرقوه ونهبوه وعاثوا فساداً في الأموال العامة والخاصة.
نضيف بأنّ على المحامي أن يحمل رسالة المحاماة بكلّ الصدق والأمانة ويتقيّد بآداب المهنة وتراثها. وعلى القاضي واجب ضبط المجرمين وإصدار الأحكام العادلة دون أن يتأثر بأيّ تدخلات داخلية او خارجية، وبدون خشية من أحد مهما علا شأنه، ونقول أيضاً على رجال الدين وفي لبنان 18 طائفة واجب شرح العقيدة للعامة، والتأكيد على مبادئ الأخلاق، وحسن المعاملة، واحترام الدستور والقانون، وتوجيههم للحفاظ على السلم الأهلي، ودون أن يتدخل رجال الدين بمدى دستورية أو قانونية أو عدم دستورية أو قانونية أمر ما، حيث انّ هذا واجب القضاة والقانونيين، خاصة ونحن في بلد عاصمته بيروت «أمّ الشرائع» كلّ يوم تنتهك الطغمة السياسية الدستور والقوانين وتتمنّع عن تنفيذ الأحكام، ولا نسمح من يشجب تصرفاتهم وهكذا على باقي المهن والاختصاصات من الواجب أن يعمل كلّ باختصاصه.
انّ الإرباك الذي يحصل الآن في مجتمعنا يقتضي أن ننتصر عليه لأنه يؤدي إلى أعمال شريعة الغاب، واليوم كما تشاهدون «كلّ يُغني على ليلاه»، من هنا علينا أن نوجه الشعب كلّ الشعب نحو البوصلة الحقيقية وهي المحاسبة والمساءلة، وضبط المجرمين، وإنزال أشدّ العقوبات بهم لاستعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة، وحماية السلطة القضائية من أيّ تدخلات سياسية، ودعم إصدار قانون استقلال هذه السلطة، وعدم المساهمة في إحباط عملها.
هذه هي معركتنا، فلا تحاولوا العمل لتغيير البوصلة وولوج طريق حماية الفاسدين والمجرمين.
انّ حكمة وحنكة القوى الحية في مجتمعنا قادرة على توجيه البوصلة وجهتها الصحيحة، على الرغم من وجود سلاح الطائفية والمذهبية والمناطقية التي كانت وما زالت تحمله الطغمة الفاسدة وبعقلية تملك تجربة ميليشيوية.
الأمر اليومي هو أن لا تترك السلطة القضائية لوحدها بدون غطاء، وأن نشجعها دون جماهيرية على كشف المستور بما فعله أكلة الجبنة، وكي لا يفترسها الناهبون والفاسدون مستفيدون من كلّ ما أشرنا إليه.
*الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب