إلى رابعة الزيات..
} طلال مرتضى*
أنا لا أكتب زاهي هذه المرة ولكنني أكتبك، كسرتُ رتم البعيد وجئتك عابراً من خيلاء الحبر، كي أقف عند ضفة سريره المسكون بقصص الصمت الذي ينشز لحن غفوته طنين أجهزة الهواء الاصطناعيّ ومقياس نبض القلب..
أردتُ هزّ نخيل سريره بيمينك علّ شريط الذكريات يساقط بلحاً نديا.
يا رابعة.. أنا ابن حكايات الحبر، لستُ لقمان الوصايا، جئتك من وراء سرمدية الكلمات، كي أدفع بك نحو خط العطر الأول، لا وصايا في جعبتي الخاوية إلا ما تيسّر من فتات الأمل والكثير من الخسارات..
يا رابعة.. توقفي له (مجازاً) مثل حجر عثرة _ على درب حكاية الرحيل الذي افتعلها _ مثل سدّ منيع لا تهيله كل حكايات الطوفان.
على هدوء، سدّي باب تلك الغرفة الباردة بظهرك، واضربي كل علامات الصمت عُرض حائط سديم البياض الذي نثرته «ملائكة الرحمة» في الأرجاء،
فأنا جيداً أعرفك، امرأة لا يكسرها محال الفراق ولا تنحن لأي عصف كان، سوى عصف الحبّ، فثمة كلام لم يُقَل بعد وحان أوانه..
اقتربي أكثر حدّ السمع وافتحي دفتر حسابك العتيق مع زاهي، لا تسأليه إلى أين يولي وجهه الآن، فالكل يعرف، حيث نولي وجوهنا فثمّة وجه الله الحاضر فينا.
شوط الحكاية لم ينته يا زاهي ودفتر حسابنا لم يزل مفتوحاً على قيد وعودك..
على مهل يا رابعة أقرئي على مسمعه رسالتي، فأنا من قوله أدينه:
ألستَ يا زاهي.. من عرّفها على مايكل أنجلو، وجعلتها جنة (تجري من تحتها الأنهار) كم من المرّات قلتَ لها (راقصيني قليلاً) و(تبرّجي لأجلي) حين كانت (بيروت المدينة المستمرة) غارقة في توزيع (حبر وملح) لعابريها؟! اه (حطاب الحيرة) (في مهب النساء) صرخ في هدأة الليل:
– (صادقوا قمراً) و(ماذا تفعلين بي) أيتها المجنونة؟
ردّت ببرود: إني (أضاهيك أنوثة).
أليست من سقتك (قهوة سادة) عندما عدتها ذات مساء، تفور منك رائحة النبيذ؟!..
كنت أنصت إليك بإمعان وقت قلت لها:
«تعالي..
ولا تفتحي النافذة..
في الخارج شمس صدئة..
في الخارج ريح صفراء..
في الخارج شعراء..
تعالي..
وشقـّي قميصي أنـّى شئتِ..
لست يوسفاً ولا أريد أخوتي
تباً لهم..
دعيهم يكبرون في الخديعة..
ودعينا نتقافز كغزالين شاردين تحت سماء هرمة».
هل تذكر حين واعدتها غير مرة وقلت:
أنتظرك يا غريبة (علّك فجأةً تأتين)
بلا موعد..
بلا سابق عناق (لا عطرَ سوى المسام)
لا زينة غير ابتسامة
(متخففة من ماضٍ مضى) من أعباء الآخرين
وأورام الذات
(لا همَّ سوى رجفة غير متوقعة) توقدها
نظرةٌ مباغتة أو سلامٌ خاطف.
استفق يا زاهي، متّهم أنت بغوايتها، دواوينك دليل أدانتك، قل لمن أحبّوك، إنك لم تغرر بها، بعدما عرفت نقاط عطرها، أقنعتها بأن نشأتها تشبه نشأتك، طوّعتها على طقس حبرك وروضتها كعاشق في حدائق شعرك وبعد أن فتحت لها بيوت شعرك الغاويات وأسكنتها دواوين حريقك قررت ركوب موج السفر..
هاتِ يدكِ يا رابعة.. فطفلك الكبير (زاهي) حنّ إلى حكاية أمه الأولى، وكي لا ينسى أقرئي له أوراد وصاياها له والتي كتبها بخط يده كي لا تستحيل الحكاية بين يديه ذكرى عابرة:
«مسحت جبيني بزيت راحتها
المسكونة بالأرواح الطيبة والأولياء..
دمعتها طريق العين..
خادمة الهيكل يدها مشكاة..
حافيةً ملأت السفح سنابل..
جارة السنونو، منديلها البحيرة..
طاحونة الضحك أمي..
نافورة ماء..
أول الينابيع، خاتمة النساء».
*كاتب عربيّ/ فيينا.