قصص نجاح وبطولة اغتراب نفاخر بها..

} شبلي أبو عاصي – اوستراليا

منذ مئة وسبعين عاماً رست باخرة على شواطئ أديلايد جنوب أوستراليا وعلى متنها العشرات من الشباب من دول العالم العربي، ومن بينهم المهاجران اللبنانيان مسعد النشبي الفخري وشقيقه من بشري في شمال لبنان. وقد وصلا مع رفاقهم ركاب الباخرة من دون علمهم أنهم في البلاد الأوسترالية إلا بعد مرور أشهر على وجودهم. وبعد العام 1854 من وصول اللبنانيين بدأت مجموعات ثانية تصل تباعاً إلى مدينة سدني بخاصة بين الأعوام 1872 و1880 فبدأوا في ظروف صعبة العمل في مناجم بروكن هيل، ورغم قسوة العمل ووجودهم خلال فترة قصيرة من الوقت في المنجم وأعمال أخرى ومن دون تمكّنهم من حفظ لغة البلاد كرّمتهم الحكومة الأوسترالية باحتفال وغرست أرزة لبنانيّة في البوتانك غاردن تقديراً لتعبهم.

ولم تمض أشهرٌ حتى بدأت الأخبار تنتشر في الوطن عن وجود فرص عمل في هذه القارة الأسترالية.

فأخذت مجموعات من الشباب تصل تباعاً فوصل قسطنطين مالك إلى ملبورن في العام 1880 وفي العام 1881 وصل الى أديلايد بيتر خوري وما بين الأعوام 1885 و1895 وصولًا حتى 1920 وصلت مجموعات كبيرة من لبنان وسورية والعراق والأردن وفلسطين، وكانوا مميزين في عملهم وبإرادتهم الصلبة حيث همّهم أن يكونوا على قدر عال من المسؤوليّة في المغترب وليبنوا حياة جديدة حرة وكريمة.

وأخذت قوافل المهاجرين تصل تباعاً إلى هذه البلاد خاصة بعد الأخبار التي تناقلتها الناس عن فرص عمل وحياة جديدة وعلم ونظام واحترام للإنسان وحريته ومعتقده، ورغم كل المسافات البعيدة حيث البواخر تبقى أشهر تمخر المحيطات والبحار لتصل الى هذه البلاد الجميلة أوستراليا، والذي ينظر إليها أنها من أبعد الدول في العالم نسبة الى عالمنا العربي، فقد فتحت ذراعيها لكل المغتربين إليها وخاصة اللبنانيين الذين كانوا منارة في العلم والثقافة والتجارة والاقتصاد والإعلام والطب والهندسة فبرز منهم الكبار وكانوا محطّ تقدير ونبل واحترام وكانوا مخلصين وأوفياء لهذا الوطن الجميل أوستراليا مثلما هم أوفياء لوطنهم لبنان.

أوستراليا الغنية بشعبها الكريم والمضياف وبأرضها وخيراتها فتحت قلوبها وأبوابها لكل القادمين إليها وفارضة قوانينها على كل أبنائها من دون تمييز بين المسؤول أو المواطن العادي من دون استثناء.

ومع بداية الهجرة وحكاياها يتحدّث أيضاً عدد من المغتربين عن إليزابيت الدبس ابنة الخنشارة والتي توفي زوجها وأولادها حيث كانوا أطفالاً.

اليزابيت الدبس هذه المرأة الصلبة والطموحة وفي ظروف قاهرة حضنت أبناءها ورفضت أن تمد يدها للمساعدة من أحد، فعمدت الى بيع الأقمشة على عربة جوالة في الشوارع والأحياء والمفاجأة بعد سنوات وقف حفيدها الذي أصبح من أبرز رؤساء أوستراليا ستيف براكس وفي مؤتمر صحافي قال: أفتخر أني حفيد إليزابيت الدبس.

وإليزابيت الدبس أصبحت رمزاً للمرأة وشجاعتها وتحدّيها قسوة الزمن ووقوفها الى جانب أبنائها.

واليوم نتحدث أيضاً عن سيدة لبنانية هي روز كيروز سكر عمرها زاد عن الثمانين عاما ً وصلت استراليا وكانت ابنة 18 عاماً قادمة من بلدة بشري، وفور وصولها تزوّجت أحد أقاربها جو سكر وأنجبت منه سبعة أبناء وجميعهم تزوّجوا. فهذه المرأة ومنذ وصولها هذه البلاد الجميلة عام 1960 لم تعرف الملل ولا الكلل، كانت الى جانب زوجها في كل الأعمال التي يقوم بها في مطعمهما «نواغاواغا» ودرست المحاسبة وتعلّمت مهنة جمع التذاكر وإضافة لكل ذلك كانت تشارك زوجها سائقة تاكسي أثناء وقت فراغها واستراحتها في العمل..

روز كيروز سكر المرأة التي استطاعت أن تذلل الصعاب تمكّنت من إنشاء عائلة بالتضامن مع زوجها، من دون الحاجة الى أحد. وتفتخر أنها لبنانية ولبنان في وجدانها، كما أوستراليا لم تنسَ فضلها وهي وطنها الثاني.

هذه لمحة عن حياة مغتربينا فأينما وجدوا: أطباء مهندسين محامين رجال أعمال ورجال إعلام أو وزراء ونواباً أو في أي منصب آخر وفي كافة حقول الحياة، يكون المغترب اللبناني هو المميز والناجح والجميع يشهد أن مغتربينا لمعوا وحلّقوا في فضاء الاغتراب في أعمالهم الخاصة أو في الحقل العام فهم أصحاب علم ومعرفة وموهبة وخبرة في الحياة.

..يتمنون العودة ولكن إلى الصفر يعودون

المغتربون جميعهم يتمنون العودة الى ربوع الوطن، ولكنهم يتساءلون: هل ترك لنا أحدٌ من المسؤولين شيئاً في لبنان حتى نعود لربوعه هذا الوطن المغمور والمطوّق بالفساد والسرقات والسمسرات والتعدّيات، ولا من حسيب ولا من رقيب يردع هؤلاء المتسلّطين على رقاب البشر.

يعتبر المغتربون أن الغالبية العظمى من المسؤولين عندنا في لبنان غير جديرين بحمل الأمانة والمسؤوليات، فانكشفت ألاعيبهم وخداعهم، هؤلاء هدروا وسرقوا الأموال العامة، واعتبروا هذه البلاد مزارع ومحاصصات لهذا الزعيم او ذاك وممنوعة عليهم المساءلة او المحا سبة وفق مبدأ «من أين لك هذا؟»..

المغتربون يقولون أي وطن تريدون: هل تريدونه منعزلاً ومدمراً ومنهكاً ومهمّشاً كما هو اليوم، ارحموا هذا الشعب الذي لم يعُد يقوى على شيء، ارحموا المغتربين الذين لوّعتهم الغربة وأبعدتهم عن أعز الناس لديهم من أرض وأهل وأبناء وأصدقاء.

لكن للأسف معظم هؤلاء الذين يدّعون حرصهم على الشعب وعلى الوطن هم بالحقيقة غير آبهين بوجع الناس ولا بصرخاتهم، همهم أن يبقوا على كراسيهم وحولهم الحاشية من السماسرة والمنتفعين والمنافقين.

ختاماً: وإذ نتحدّث مع المغتربين الذين لم يصدّقوا ما يجري في لبنان بتحكّم مجموعة فاسدة ومتحكمة برقاب الشعب من سياسيين تاجروا بكرامة ومصير الناس، فجعلوا الوطن عليلا ً والشعب ذليلاً ومنهكاً وفقيراً كي يبقى مستزلماً ومطأطئ الرأس لهؤلاء الذين أوصلونا الى الفقر والحاجة والعوز، يؤكد المغتربون أن هذه المافيا التي حوّلت لبنان مزارع لها لا يمكن أن ينهض لبنان من جديد إلا بعد محاسبتهم ووضعهم في السجون وإعادة الأموال المنهوبة للدولة والشعب وللمغتربين الذين ضاع نتاج عمرهم في المغتربات، حيث كان أملهم أن يعودوا الى أرض الوطن يعيشون بقية عمرهم بكرامة من دون حاجة أحد، ولكن اللصوص أكلوا الأخضر واليابس، ما جعل المواطن وخاصة المغترب أن يعود من حيث بدأ من الصفر، وذهبت وضاعت كل أحلامهم في الهواء.

إليزابيت الدبس ابنة الخنشارة توفي زوجها وأولادها حيث كانوا أطفالاً، وتابعت عطاءها حتى فخر بها أبرز رؤساء أوستراليا ستيف براكس في مؤتمر صحافي: أفتخر أني حفيد إليزابيت الدبس.