منذ عقود طويلة ولبنان يواجه تحدّي تهريب المخدرات، والذين يتذكّرون مسرحيات الأخوين رحباني لا بد أنهم يتذكرون سخريتها من الطائرات التي كان لها مهبط خاص للتهريب، والمعاناة ليست لبنانية حصرية بل هي همّ عالمي، حتى لدى الدول التي تملك مؤسسات مستقرة ووضع سياسيّ متماسك وأجهزة أمنية يقظة، ولذلك قلما يشهد العالم قراراً من دولة بوقف الصادرات من دولة أخرى تحت تأثير وصول شحنة مخدرات مخبأة بين بضائع مصدّرة، وعندما يحدث ذلك تكون البضاعة السياسية كما المخدرات، موضوع تهريب ضمن بضاعة تقنية، وتتخذ المخدرات ذريعة.
الواضح من الخطاب الصادر عن المراجع اللبنانية السياسية والروحية، أن الحديث يدور على ثلاثة محاور، الأول هو الإضاءة على أن لبنان قام بتخريب علاقته بالسعودية وأن عليه استرضاءها، لأنها مورد رزق الكثير من اللبنانيين عدا عن حجم السوق الخليجية أمام الصادرات اللبنانية، والاسترضاء الذي يدخل من باب قضية التهريب له مقاصد أخرى، عنوانها المباشر هو الاسترضاء بالضغط على حزب الله لأنه موضوع غضب سعودي، والثاني هو الإضاءة على الحدود اللبنانية السورية التي عبرت منها الشحنة المهرّبة، للدعوة الى ضبطها، والمقصود بالضبط ليس وقف التهريب، بل الإشارة لسورية وحزب الله كشريكين عبر الحدود بتعزيز قدرات المقاومة، لتحميلهما مسؤولية التهريب بكل أنواعه، بما فيه تهريب المحروقات الذي تقف وراءه شركات يملكها من يتنمّرون في الحديث عن التهريب، وملف الحدود ملف تصل نهايته لما يطلبه الخارج السعودي وغير السعودي بإخضاعها للرقابة الدولية منعاً لوصول السلاح الى المقاومة، أما المحور الثالث الغمز من قناة حزب الله كممر للتهريب وراعٍ للتهريب على ألسنة بعض القيادات، وتسميته بالاسم كعنوان لهذه الآفة انسجاماً مع الحملة الأميركيّة الخليجيّة التي تستهدف الحزب تحت هذا العنوان وسواه.
اللافت أنه بالتوازي مع هذا الاستثمار المبرمج الذي يكشف أهداف الحملة وربما تصنيع عملية التهريب للتذرّع بها، تأتي التعمية على الجانب السعودي الشريك في عملية التهريب، والأرقام السعودية تقول إن نسبة ما يصل من مخدرات عبر لبنان ليست إلا نسبة ضئيلة من كمية المخدرات المهرّبة الى السعودية، ومن دون أي إجراء سعودي مماثل لوقف استقبال الصادرات، ورأس التهريب وعقله ومموّله ومشغله هو الجهة المستقبلة التي تملك شبكات التوزيع وتشتري البضائع، وتقوم بتسلّمها في بلد الوصول فلماذا لا يأتي أحد على سيرتها؟
لا حريص على بلده يقبل أن يكون مصدراً لتهريب المخدرات، لكن يجب أن يكون المرء بلا عقل ليتقبّل أن ما يجري هو بمحض الصدفة، وان الحملة بريئة وتقنية، وأن الاستثمار فيها عفوي، أو أنه آت من حريصين على لبنان، فمن يرغب بمعالجة قضية التهريب حصراً، ينأى بها عن كل تسييس، ولو كانت فرصة لتصفية حسابات مع الخصوم وتقديم أوراق اعتماد للحلفاء، لأن الاستثمار في السياسة يعني أن النية ليست المعالجة بل التوظيف، فهل جاءت الحادثة رمية من دون رام لحسابهم أم أنها فيلم تم إنتاجه وإخراجه ووضعه في التداول، والمموّل السعودي له شبكة تهريب تعمل لحسابه من لبنانيين وسوريين، وهو رأس الشبكة، فهل هو بعيد عن إخراج هذا الفيلم طالما أنه لا يزال شبحاً مخفياً؟
تذكّروا أمير الكبتاغون.