لماذا لا يطلب لبنان معونة تقنيّة روسيّة في الترسيم؟
ناصر قنديل
– يقف لبنان في منطقة حرجة في قضيّة ترسيم الحدود البحريّة جنوباً وشمالاً، بعدما فشل في إدارة الملف بصورة تحفظ حقوقه، عبر تورّط حكوماته بتبني خرائط جاءت تقارير لاحقة لخبراء الجيش اللبناني بإثبات بطلانها، وتفريطها بالحقوق اللبنانيّة، منذ الترسيم المشبوه الذي جرى مع قبرص عام 2007، وما ترتب على التغييرات من الطعن بمصداقية الخرائط اللاحقة رغم تأكيد الخبراء المحايدين لمطابقتها للمعايير التقنية والقانونية المعتمدة دولياً، وعلى الجبهة الجنوبية دخل لبنان في سجال مرسوم التعديل أو تعديل المرسوم، وكيفيّة عدم إطاحة التفاوض غير المباشر الذي ترعاه واشنطن عملياً رغم الوجود الشكلي للأمم المتحدة، فيما يُقدم كيان الاحتلال على السير بخطى حثيثة نحو بدء الاستثمار في حقول وازنة يفترض أنها ضمن الحدود البحرية للبنان وفقاً للخرائط الجديدة، بينما على الحدود الشماليّة مع سورية، تعاملت الحكومات اللبنانية بلا استثناء بلا مسؤولية كاملة عبر عدم القيام بجهد الحد الأدنى لما قامت به مع قبرص من تفاوض ودّي قبل وضع الخرائط، أو حتى ما قامت به مع كيان الاحتلال من السعي لتفاوض، بعد وضع الخرائط.
– طلب رئيس الجمهورية من الجانب الأميركي تقديم معونة تقنيّة للبنان، لتدقيق الخرائط التي وضعها خبراؤه، وفقاً للمعايير القانونية والتقنية المعتمدة دولياً، لكن الأميركي كوسيط والأمم المتحدة كراعٍ للمفاوضات لا يملكان القدرة على تقديم المعونة التقنيّة التي يفترض أن تنتهي بتبني خرائط يجري التوافق عليها مع الخبراء اللبنانيين، سواء كانت الخرائط هي التي وصل اليها الخبراء اللبنانيون أو تلك التي يمكن أن يقتنع بها الخبراء اللبنانيون بعد مناقشات تقنية وقانونية مع الخبراء الذي يقدمون المعونة، ومعلوم أن تبني الوسيط والراعي لمعونة تقنيّة لحد فريقي التفاوض يلزمه بحاصل النتيجة التي يتوصل إليها البحث، وبذلك لا يعود وسيطاً محايداً ولا راعياً مقبولاً. فالمعونة التقنية يجب أن تطلب من جهة ثالثة ليست طرفاً في التفاوض، لكنها تملك وضعاً يتيح للاستعانة بها، أن يمنح النتيجة قوة معنوية، سواء لمكانتها في سوق النفط والغاز، والثروات البحرية، أو لمكانتها الدولية، أو لعلاقاتها مع الأطراف المعنية بالترسيم الحدودي مع لبنان.
– يتسابق اللبنانيون إلى موسكو، فهم باستثناء حزب الله، بذلوا جهوداً وقاموا بحملة علاقات عامة لتأمين زيارات بدأت وستستمرّ الى موسكو، وتبدو موسكو مهتمة بالمساعدة في لعب دور في لبنان لا يستفزّ المداخلة الأميركية ولا المبادرة الفرنسية، ولبنان متعاقد مع تكتل شركات عالمي للتنقيب عن النفط والغاز تشارك فيه روسيا بقوة، وروسيا واحدة من أهم دول العالم في قطاع النفط والغاز، وصاحبة أضخم استثمارات في التعامل مع الثروات البحرية والأنابيب البحرية، وموسكو من الدول القليلة التي تملك علاقات جيدة بكل من سورية وكيان الاحتلال بحيث لا ينظر لتوليها مهمة المعونة التقنية تصعيداً في الملف الحدودي، والمنطقي ان يتولى الخبراء الروس الاطلاع على وجهات النظر على طرفي حدود الترسيم قبل الإدلاء بنصائحهم حول الخرائط. ومعلوم أن الغاز المستخرج سينتظر حسم قضية أنابيب المتوسط التي ستنقله الى أوروبا، والتي تشكل روسيا رقماً صعباً فيها، وهكذا يكون لبنان الذي أسند الوساطة لواشنطن وأسند المعونة التقنيّة لموسكو منفتحاً على الفريقين الفاعلين في أنابيب المتوسط، واللذين يتوقف على تفاهمهما تحقيق العائد الاقتصادي للثروات البحريّة، وفي نهاية الترسيم، إذا ظهر أن هناك مناطق متداخلة عبر خط الترسيم فإن الجهة الأولى المؤهلة لتولي استثمارها برضى فريقي الحدود شمالاً وجنوباً، وقسمة عائداتها بين المستفيدين، ستكون روسيا.
– الأهم أن مناخات المنطقة المتوترة، وفي ظلّ ما كشف عن نيات كيان الاحتلال اللجوء الى التصعيد باعتماد خط بحريّ جديد يتجاوز الحقوق اللبنانية كثيراً، تبدو موسكو جهة يسعى الكيان الى مداراتها، خصوصاً بعد صاروخ ديمونا، فيما سيبدو اللجوء الى طلب المعونة التقنية الروسية ضربة دبلوماسية لبنانيّة موفقة، فهل نجرؤ؟