يا عمال لبنان توحّدوا ضدّ من سلب حقوقكم وأفقركم وجوّعكم…
} علي بدر الدين
سيل من المواقف والإشادات والتنويهات والدعم والأكاذيب والنفاق والدجل و»تبييض» الوجوه، وغسل الأيدي من هدر دماء عمال لبنان، ومن سرقة حقهم في الحياة والعمل والعيش الكريم، تدفق في ما سمّي بعيد العمال، في الأول من أيار، من سالبي حق العمال ومصادري أرزاقهم، والذين قوّضوا أسس اقتصاد البلد، وأفلسوا ماليته وحوّلوها من خزينة الدولة إلى خزائنهم الخاصة، والمصارف الخارجية، وهم أنفسهم من تواطأ مع حاكم مصرف لبنان وأصحاب المصارف والسلطة السياسية والمالية الحاكمة، ومع حيتان المال وغيلان الصيارفة ومكاتب تحويل الأموال وتهريبها، وهم من سطا على المدّخرات المتواضعة لهؤلاء العمال لإعتقادهم، كما غيرهم من اللبنانيين، أنّ المصارف هي ملاذ آمن وحام لأموالهم، ولأنهم أرادوا تطبيق قاعدة، «خبّي قرشك الأبيض ليومك الأسود».
وبفضل من يتغنّى اليوم من الطبقة السياسية والمالية والسلطوية، والنقابات واتحادات العمال، والجمعيات على أشكالها وأنواعها وتسمياتها التي تكاثرت ونبتت كالفطر في أرض جرداء، وبدلاً من أن تكون حليفة العمال وتدافع عن حقوقهم وتسترجع ما سرقوه منهم، نرى بعضها تابعاً ومرتهناً ومن أصحاب الثروات وأفخم السيارات والقصور، ولا يعنيها من العمال سوى اسمهم، وتحويله إلى مطية وجسر عبور إلى مجد من الألقاب والشهرة والمكاسب.
إنّ واقع عمال لبنان سيّئ ومزر ومأسوي، بل كارثي، حيث لا عمل لهم ولا داعم ولا نصير، بعد أن انهارت القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية والسياحية، وأقفلت الشركات والمؤسسات وطردت ما يقارب الستين بالمئة من عمالها، أو حسمت ما يزيد عن خمسين بالمئة من رواتبهم، التي تآكلت قوتها الشرائية مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، التي خسرت معظم قيمتها.
كيف سيكون حال عمال لبنان بفعل سياسة الفساد والمحاصصة والنهب والإهمال والحرمان، التي لا تزال المنظومة السياسية تعتمدها، وقد باتوا عاطلين من العمل وانعدم الأمل لديهم، بأنها مرحلة عابرة و»بتعدّي»، وقد فقدوا الثقة بالسلطة السياسية والمالية العصية على التغيير، والتي لا يمكن ان تتخلى عن مكاسبها ومصالحها، او تتنازل عن شروطها ونفوذها وحصصها، ولو مقدار «ذرة» حتى لو طار البلد ومات الشعب فقراً وجوعاً ومرضاً وذلاً، وهو كذلك، والعمال حتماً هم أول الضحايا، وقد سكن الفقر بيوتهم، ومن الجوع انتفخت بطونهم، كلّ ما تبقى لديهم انتظار صعب لمساعدة مالية بسيطة، او كرتونة إعاشة متواضعة، خالية من السلع الضرورية كالزيت والحليب إلا في ما ندر.
السؤال كيف سيكون حالهم، بعد ان يُرفع الدعم عما يسمّى السلع المدعومة، المقنع بتسميات ومصطلحات ملغومة ومشبوهة كالترشيد، والوعد بالبطاقة التمويلية التي لا يزال البحث جارياً على الآلية، وعن شروط المستفيدين وأعدادهم، والأهمّ من سيموّلها، والتصويب على أموال هي أساساً للشعب من منظمات دولية، يعني هذا «من زيته قلّيلو».
فلتكف القوى السياسية والمالية والنقابية والعمالية عن خداع العمال وإطعامهم «جوزاً فارغاً» أو إعطائهم منجلاً لابتلاعه، أو مبرداً للحس دمهم.
من يريد الحرص عليهم وهم نخبة صناعة وزراعة ونهوض لبنان، وقد جعلوا منهم نخبة فقراء لبنان ورمزاً لجوع اللبنانيين. وعليهم إذا كانوا جادين، وهذا أمر مستبعد، أن يضعوا حداً للفساد والسرقة والتحاصص والتهريب، وان يخفضوا من تجاذباتهم الوهمية وسجالاتهم الشكلية فوق الطاولة، وهم تحتها شركاء في التحاصص وحماية المصالح والامتيازات.
إذا كانت المنظومة السياسية حريصة جدا على عمال لبنان، فلتعد لهم حقوقهم، وأعمالهم وأموالهم، وكراماتهم، تحفيزهم من قبل من يحمل لواءهم ويدّعي الدفاع عنهم، على التمرّد والانتفاض والثورة على مغتصبي حقوقهم ومدمّري الوطن ومصادري الدولة ومؤسساتها وخيراتها وأموالها.
إذا كانوا أوفياء للعمال وأمناء على كلّ حقّ لهم في ذمم مكوّنات هذه المنظومة الملوّثة مساعدتهم قبل فوات الأوان، لأنه لن يسلم أحد ويخرج من دوامة الفقر والجوع والبطالة والألم بسلام وأمان، إذا ما سقط الهيكل لأنّ الجميع سيتشظى وسيكونون أول الساقطين عن أمجادهم التي بُنيت على دماء اللبنانيين ودموعهم واوجاعهم.
أول خطوة يجب فعلها هي الخروج من الأنانية والمصالح والتحاصص والمواقع السلطوية الحالية والمستقبلية، والخطوة الأهمّ التي دوّخت الدول الصديقة والشقيقة وصاحبة المصالح، تكمن في تأليف الحكومة، قبل وصول وزير الخارجية الفرنسي، الذي قيل إنه آتٍ على حصان عقوبات، وكمّ من الإهانات والضغوط، علهم يصلحون ويستجيبون ويخضعون، وكما تعاملون شعب لبنان العظيم وعماله ستعامَلون، وكما يُقال، «آخر الدواء الكي».