انتفاضة «القدس» وحتميّة المقاومة…
د. جمال زهران*
حادث جديد منذ عدة أيام… أهدانا الله إياه.. وهو انهيار جسر في الكيان الصهيوني وسط احتفالات يهوديّة للمغتصبين والمستوطنين، راح ضحيته (60) شخصاً، وإصابة أكثر من (400) آخرين، والمؤكد أنّ غطرسة القوة لدى العدو الصهيوني لن تجعله ينتبه إلى أخطائه، وهو ما نتمناه حتى ينهار هذا الكيان من الداخل، وهو أمر محتمل إلى حد كبير، كما انهار نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا ورحل الرجل الأبيض الحاكم والمغتصب، بإرادة المقاومة لشعب الجنوب، والتفتيت الداخلي. فهناك قاعدة واضحة، وهي لا عمر لمغتصب وإن طال الزمان.
كما أن شهر رمضان المعظم الذي يأتي بالخيرات دائماً، مهما كانت الكوارث العالميّة، فقد هلَّ بخيره في أرض المقدس الشريفة، باندلاع انتفاضة شعبية فلسطينية ضد العدو الصهيونيّ الذي هدف من وراء منع المصلّين الفلسطينيين من الصلاة في ساحة المسجد الأقصى، إثارة هؤلاء، ووضع العقبات أمام إتمام الانتخابات الفلسطينية في مدينة القدس، حيث أصبحت تحت السيطرة الصهيونيّة وعاصمة دولة الكيان، حسب تقديرهم وإعلاناتهم المدعومة أميركياً. وبالتالي يمكن أن يعوق ذلك إتمام الانتخابات الفلسطينية، تحت شعار أن لا انتخابات فلسطينية من دون القدس، باعتبارها رمز السيادة للدولة الفلسطينيّة وشرعيتها.
وما حدث يوم السبت 24 نيسان/ أبريل الماضي، هو انتفاضة جديدة للشعب الفلسطينيّ في القدس، حيث إنه يوم تاريخي جديد، وفصل جديد من فصول المقاومة الفلسطينيّة ضد الاستعمار والاستيطان الصهيوني. فقد قدم المقدسيون، أجسادهم بصدور الشباب العارية، والذين ولدوا بعد اتفاق أوسلو الكسيح، لمجابهة العدو الصهيونيّ العنصري، لإجباره على التراجع عن منع الفلسطينيين من الصلاة في بيت المقدس، وحدث ذلك، أن تراجع هذا العدو كالعادة مع ازدياد درجة المقاومة.
ولا يمكن نسيان الصورة التي تبنّتها وسائل الإعلام في فيديو رائع، حيث الشرطيّة الصهيونيّة، وهي تمنع فتاة فلسطينية من دخول المسجد، بالقوة، وكانت معها والدتها. فمع إصرار الفتاة على دخول المسجد، وإصرار الشرطية الصهيونية على منعها باستخدام الأيدي والضرب والسحل، إلا أن الأم رفضت تعرّض ابنتها لهذا الاعتداء، وقامت بالاشتباك مع الشرطية الصهيونية، وضربها وسحلها وإلقائها في الأرض بقوة وشدّة، حتى تجمّع الكثيرون، وتجمّع أفراد الشرطة الصهيونية، وأصبحت «عاركة» كبيرة، كان على إثرها، نجاح الفتاة وأمها، في دخول المسجد الأقصى، لأداء الصلاة (العشاء والتراويح).
هكذا هي المقاومة اليومية بما تحمله من مجابهات بين المقدسيين وبين الصهاينة العنصريين. وانتصرت المقاومة في معركة جديدة لدخول المسجد الأقصى في رمضان، بإجبار العدو/ الصهيوني على التراجع بالمنع، والسماح للفلسطينيين بأداء صلواتهم في المسجد الأقصى الشريف.
تلك صفحة جديدة من صفحات الجيل الجديد الشاب، الذي يتشبّع بروح المقاومة ضدّ الصهاينة الأمر الذي يعني استمرار سريان المقاومة ضدّ الوجود الصهيوني في أرض فلسطين المحتلة، وتأكيد على فشل كلّ مشروعات السلام المزعوم/ والتسويات، الكسيحة، وأن الأمل كلّ الأمل، في هذا الجيل المشبع بفكر وروح المقاومة.
وقد عبّر الكاتب/ عريب الرنتاوي، في مقاله بجريدة «الدستور» الأردنيّة يوم 25 نيسان/ أبريل الماضي، بالقول: «إن القدس هي درّة المشروع الوطني الفلسطيني، وتاج المشروع القوميّ العروبي، وعنوان وحدة المسلمين، وقبلة المسيحيين الشرفاء والأحرار في العالم كله..». وأنا اتفق معه، وتلك هي الحقيقة التي لا يجب أن تغيب عن كل المناضلين الأحرار في العالم العربي، والعالم كله.
فتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وتحرير كلّ التراب الفلسطيني، وفي القلب القدس بطبيعة الحال، وطرد العدو الصهيوني الغاصب، وكسر إرادة المشروع الصهيو/أميركي، التآمري، هو المشروع الوطني الفلسطيني، والمشروع القومي العروبي بلا جدال. ولا يمكن بحال من الأحوال أن تتحرّر فلسطين كاملة، عبر الاتفاقيات الكسيحة والعميلة والتآمرية على القضية والشعب، مثل كامب ديفيد.. وادي عربة – أوسلو) فضلاً عن اتفاقيات التطبيع التي تتسم بالعمالة والحقارة والفجور من بعض الأنظمة العربية العميلة لأميركا وللصهيونية. فالمقاومة هي الحلّ، بلا جدال، وهي الآلية لتحرير فلسطين وتحرير بيت المقدس، كما سبق أن حرره صلاح الدين الأيوبي (جدّي الذي افتخر به مثالاً للمقاومة والصمود).. ومن بعده الزعيم جمال عبد الناصر الذي تظلّ كلماته المقاومة هادية لكلّ مناضل عربي حقيقي، حينما قال: (لا للتفاوض لا للاعتراف لا للصلح مع الكيان الصهيوني).
وأختم بالقول إن نهاية الكيان الصهيوني قد حانت، وأراها قريبة، واستشهد بقول الكاتب الصهيوني المعروف (آرى شبيث)، في صحيفة هآرتس الصهيونية: «لقد اخترنا نقطة اللاعودة.. ولم يعد بإمكان «إسرائيل» إنهاء الاحتلال، ووقف الاستيطان، وتحقيق السلام، كما لم يعُد بالإمكان إصلاح الصهيونيّة، وإنقاذ الديمقراطيين وتقسيم الناس في هذه الدولة. ولم يبق أمامنا إلا مغادرة البلاد.. والانتقال إلى سان فرانسيسكو – برلين – باريس – فقد فشلت صهيونيتنا».
وهذا ما أشرت إليه بالتحليل العلمي في كتابي (مناهج قياس قوة الدول.. ومستقبل الصراع العربي الإسرائيلي)، الصادر في أعقاب حرب تموز 2006، عن مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، عام 2007. فللشعب الفلسطيني كل التحية عموماً، وللمقدسيين كل التقدير والاحترام، فلا تحرير لفلسطين والقدس من دون استمرار المقاومة، وهو حادث بإذن الله..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.