عذراً الأول من أيار…
} د. رائدة علي أحمد
عذراً أيتها الآلات الصناعية والزراعية والحرفية، لقد صمتت القصيدة، وانكسرت حروف الشعر في زمن الصمت العميق، وتوقّفت الحياة عن الرقص على خشبة مسرح العمل المقدّس.
عذراً أيتها السواعد السمراء، فالظلّ برى الأكفّ العاملة، وليّن أناملها من الخباء، هيمن زمن البسكوت، وذاب الحديد على نيران غاز المطابخ، والأعمال المنزلية الرتيبة.
عذراً أيتها الجباه الندية، لقد جفّ ماؤك في الخباء، وتوقّف الزمن عن الدوران، تنحّت عقارب الساعات عن العمل، وركنت في زوايا البيوت الصامتة، التي تضجّ بالفراغ والخواء، تعطّلت حركة الأيام، فافترشت سرائر المرض والعياء، بعد أن اجتاحها كوفيد 19 و20 و21 والفساد والظلم.
عذراً أيتها العيون العائدة من سفرك الطويل، فقد جمدت طلول الندى عن براعم الوجنات، وجفّ ضرع الأرض، ويبست الغمائم في السماء.
عذراً أيتها القامات التي أحنت البطالة ظهورها، فتعرّت أغصانها في ربيع العمر، ووقفت بوجه العاصفة العاتية في العراء عزلاء، وقد تختخت عظامها من غياب الشمس في وضح النهار.
عذراً أيتها الأقدام التي أرجفها صقيع البطون الخاوية، فاعتزلت عن حركة الذهاب والإياب، وخلعت نعالها، غير أنّها لم تدخل الوادي المقدّس، بل دخلت اللعنة من بوابة خيبر، وتجوّلت في جبال من هزيمة.
عذًراً نهر الأردن، فلم يغسل يسوع الفصح أقدام الطهر في بَرَدى لأنّ الداعشيين سبقوه، وأفسدوا مياه الخليج العربي ودجلة والفرات والليطاني، وأغرقوا سفينة النجاة في المتوسط، ورهنوا بلوكات النفط والغاز للشيطان.
عذراً سواعد الإباء الخضراء، فقد لانت أنامل مجدكم، في مطابخ القرن الحادي والعشرين وأنتم تطهون الصبر، وتغسلون وجوه القهر الموجع من صبركم الطويل.
عذرا أيها الأول من أيار وأنت تنضمّ إلى قافلة رتابة الأيام، وتنزع عن جذعك أوراق التعب والكدّ والكدح، وتقف بوجه الرياح مشرّعاً صدرك للغدر والفساد والمؤامرة.
لن نحتفل اليوم بك، ولن ترتدي هاماتنا أثواب العافية. فالوباء يقف لنا على مفترق الحياة، ويخطّ أقدارنا بأيادي غدره وغطرسته ولعنته، وينزع عنك تلك الخصوصية التي كانت مصدر بهجة وفرحة لعرق جبين يتصبّب عافية هنا وهناك، ويتحدّى الموت والجمود بقوّة الصمود والتصدّي.
عذراً الأول من أيار، لم تجد عمالاً ينتظرون ولادتك، فالجنين هرِم، والولادة عسيرة، والأعياد بعيدة، والأفراح معدومة، والعافية مرهونة في ضمائر مدفونة في قصورهم وبيوتهم الشاهقة وأرصدتهم في مصارف الغرب.