ذوبان الجليد بين مصر وتركيا وتحذيرات من تجدّد العداء
على الرغم من بدء ذوبان جليد التواصل بين مصر وتركيا، فإن عودة العلاقات بينهما إلى سابق عهدها، تحتاج إلى بعض الوقت، في ظل أجواء عدم الثقة.
وانعكس هذا التقارب في زيارة يجريها وفد تركي للعاصمة المصرية لأول مرة منذ ما يقرب من عشر سنوات، لعقد «مشاورات استكشافية» بين الطرفين، لبحث تطبيع العلاقات، حسب بيان مقتضب من وزارة الخارجية المصرية.
ومهدت تركيا إلى هذه الزيارة قبل شهرين عن طريق إجرائها أول اتصال دبلوماسي مع المصريين منذ الرئيس الراحل محمد مرسي، في العام 2013، كجزء من خطة أوسع لتحسين علاقاتها مع دول عدة في الشرق الأوسط.
وعزّزت إعادة العلاقات بين مصر وقطر في كانون الثاني الماضي، بعد أربع سنوات من الحصار الخليجي للدوحة، الذي شاركت فيه القاهرة إلى جانب الإمارات والسعودية والبحرين، من الجهود المبذولة نحو المزيد من الدبلوماسيّة الإقليميّة.
وقال عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية في الإمارات “ما أصبح واضحاً لمصر.. هو أنه من الصعب على أي قوة إقليمية الفوز عبر ضربة قاضية”، مشيراً إلى أن الأسلم هو الاكتفاء بـ”تسجيل نقاط”، وأن “الالتقاء في منتصف الطريق كافٍ في هذه الحالة.. لكن الوضع متقلّب ويمكن أن يشتعل مرة أخرى”.
لكن وزير الخارجية المصري سامح شكري، لم يبد الحماس نفسه في القاهرة لتقارب البلدين، وقال في تصريحات أمام البرلمان المصري في آذار الماضي، إن “الأقوال وحدها لا تكفي لا بدّ أن تكون الأقوال مقرونة بأفعال”.
ويرى الباحث المقيم في القاهرة نائل شما، والذي ألّف كتاباً عن السياسة الخارجية لمصر في عهد الرئيسين المصريين المخلوعين مبارك ومرسي، أن “هناك قدراً كبيراً من عدم الثقة كانت تغذّيها ثمانية أعوام من العداء العلني، لذا تشعر مصر بالتردد”.
وأصبحت اسطنبول ملاذاً لبعض منافذ الإعلام العربية التي تنتقد حكوماتها من الخارج، وخصوصا للمصريين المنتمين لجماعة “الإخوان المسلمين” التي كان مرسي ينتمي إليها، وحظرتها السلطات المصرية وصنّفتها “إرهابية” منذ نهاية 2013.
وفي آذار، طالب مستشارو أردوغان مضيفي البرامج الحوارية المصريين مثل معتز مطر ومحمد ناصر، المحكوم عليهما غيابياً بواسطة القضاء المصري بالسجن لمدة عشر سنوات، بتخفيف حدة انتقاداتهم للرئيس المصري.
ويقول أستاذ السياسة العامة في الجامعة الأميركية في القاهرة إبراهيم عوض، إن “مطالبة تركيا للمعارضة المصرية بوقف حملتها (الإعلامية) ضد الحكومة المصرية هو أمر هام للغاية بالنسبة لمصر”، لكنه شكّك في مسألة تسليم بعض الشخصيات مثل مطر وناصر إلى مصر وقال “الوصول إلى ذلك الحد قد يقوّض مصداقية النظام التركي وأردوغان بشكل كامل”.
واستعرض مقدم البرامج الحوارية المصري الشهير عمرو أديب، ليل الاثنين، خبر زيارة الوفد التركي إلى مصر، مطالباً المصريين في برنامجه الذي يُعرَض على قناة «إم بي سي مصر» الفضائية بمتابعة وجود الوفد التركي في البلاد، وقال «انظر كيف تتغير الدنيا.. إذا توصلنا إلى تفاهم كان بها».
ويقول عبد الله «سيستفيد الجميع من نزع فتيل التوترات الحادة في المنطقة، بما في ذلك فك الارتباط في المناطق الساخنة وعلى رأسها ليبيا»، وأن «الإمارات ليست مجرد داعم لمصر، إنها تشجع على تهدئة أي اشتعال» للتوتر.
ويرى بشير عبد الفتاح، الباحث في مركز الأهرام المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن تعاون القاهرة وأنقرة في ملف ليبيا «سيكون له تأثير غير مباشر وستكون العلاقات أفضل مع السعودية و»إسرائيل» والإمارات واليونان».
وقال «من السهل جداً في السياسة أن تهاجم دولة في يوم ما وأن تجلس وتحد من خلافاتك معها في اليوم التالي.. هذا ما يحدث الآن».
ويزور وفد تركي رسمي القاهرة، لعقد جلسة محادثات دبلوماسية، لبحث طرق تطبيع العلاقات بين البلدين، وإزالة التوتر الذي بدأ وتصاعد منذ عزل الرئيس محمد مرسي القيادي في جماعة «الإخوان المسلمين» من الحكم في القاهرة، وتولي قيادة جديدة إدارة البلاد.
وأعلنت كل من الخارجية المصرية والتركية أول أمس، عن بدء محادثات سياسية في القاهرة اليوم، بين كل من نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال، ونائب وزير الخارجية المصري حمدي سند لوزا.
في هذا الصدد، يعتبر الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، كرم سعيد، هذه الزيارة «محطة فارقة»، حيث يقول: «الأوضاع قبل هذه الزيارة لن تكون كما بعدها، بمعنى أن هذه الزيارة إما أن تسفر عن اختراق حقيقي في العلاقات وتكون هناك إجراءات عملية على الأرض تؤكد نيات التقارب، أو تكون محاولة لكسب الوقت من جانب الأتراك، وفي هذه الحالة ستكون تداعياتها أكثر إيلاماً على البلدين وستزيد من الشكوك وانعدام الثقة لدى الطرف المصري».
وأضاف سعيد: «يمكن أن يسفر هذا اللقاء وما سيتبعه من لقاءات في الأسابيع المقبلة عن كسر حالة من التوتر في العلاقات بين البلدين، لكن في نهاية المطاف تبقى التحديات الرئيسية المرتبطة بالوجود العسكري في ليبيا والموقف من جماعة الإخوان المسلمين».
وتتعارض مواقف القاهرة وأنقرة في عدد من الملفات الرئيسية أبرزها، الوجود العسكري التركي في ليبيا، واستضافة تركيا على أراضيها لعدد كبير من أعضاء وقيادات جماعة “الإخوان المسلمين” التي يحظرها القانون المصري ويضعها على قائمة “الجماعات الإرهابية” إضافة إلى ملف التنقيب عن الغاز شرقي البحر المتوسط.
ويوضح الباحث المصري المتخصص في الشؤون التركية أن: «مصر تعارض الوجود العسكري التركي في الأراضي الليبية، والموقف المصري مدعوم من قوى إقليمية ودولية حتى وزيرة الخارجية الليبية في الحكومة المؤقتة طالبت بذلك بشكل صريح وطالبت بخروج القوات الأجنبية»، ويؤكد سعيد أن هذه المسألة تشكل تحدياً كبيراً «في ظل تمسك تركيا بوجودها في ليبيا، وترافقت زيارة الوفد التركي للقاهرة مع زيارة وزيري الخارجية والدفاع إلى ليبيا ومحاولة شرعنة وجود القوات التركيّة على الأراضي الليبية».
ويعتبر أن هذه الخطوات تكشف عن “تناقض في السياسة التركية”.
أما في ما يخص جماعة الإخوان، فيقول سعيد إن: «تركيا اتخذت بعض الخطوات من خلال ضبط السلوك السياسي والإعلامي لبعض العناصر المحسوبة على الجماعة في تركيا ودفعتهم لتبنى نشاط إعلامي مغاير، لكن في تقديري كل هذه الإجراءات لن تكون كافية بالنسبة للقاهرة التي لن تقبل إلا بإغلاق هذه المنصات بشكل كامل، وبالإضافة إلى المطالبة بتسليم العناصر المطلوبة قضائياً من الجماعة».
وحول احتماليّة تسليم أنقرة بعض قيادات الجماعة إلى القاهرة، يقول سعيد: “تركيا ترى في هذه الجماعة منظمة سياسية، وليس من الوارد في الوقت الحالي الاعتراف بها كجماعة إرهابية كما تريد القاهرة. لكن قد يتم تسليم بعض العناصر المطلوبين سراً، وقد يتم البحث عن ملاذات آمنة لبعض العناصر، وقد يتم منح الجنسية لبعض هذه العناصر كما حدث سابقاً حيث منحت تركيا الجنسية لنحو 700 من قيادات وأعضاء الجماعة”.
وساءت العلاقات بين البلدين منذ عام 2013 بعد عزل الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، القيادي في جماعة “الإخوان المسلمين”؛ حيث وصفت أنقرة عزله بـ “الانقلاب”. وتدهورت العلاقات أكثر، خلال العامين الأخيرين، بسبب نشاط تركيا للتنقيب عن مصادر الطاقة في منطقة شرقي المتوسط، وتدخلها العسكري في ليبيا؛ وهي الأمور التي ترفضها مصر بشكل قاطع.
ومع تشكيل حكومة مؤقتة في ليبيا وبدء استقرار الأوضاع هناك، بدأت أنقرة في تخفيف حدة التوتر في علاقاتها بالقاهرة، وأوقفت عدداً من البرامج الإعلامية على منصات وقنوات جماعة الإخوان في تركيا.
ومنتصف نيسان الماضي، أعلن وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أن أنقرة سترسل وفداً برئاسة نائب وزير الخارجية إلى مصر، لفتح قنوات الحوار، وبحث الخلافات بين البلدين؛ وذلك في أعقاب استئناف الاتصالات الدبلوماسية بين البلدين.