بين سورية واليمن قراءة أوروبيّة
ناصر قنديل
– لا ينتبه بعض المحللين للمعاني العميقة التي أفرزتها كلٌّ من الحربين الكبيرتين اللتين هزتا المنطقة، الحرب على سورية والحرب على اليمن، والنتائج المتعاكسة لكل منهما، خصوصاً أن بعض المسؤولين الأوروبيين السابقين الذين شاركوا في مرافقة سنوات من الحربين، يكشفون خلال مداخلاتهم في ورشات عمل تعقدها مراكز لدراسات الأمن والاستراتيجية، عن أن حرب اليمن كانت محاولة لاستنساخ عكسي للحرب على سورية بالاستثمار على مصادر القوة التي اعتقد السعوديون أنها عوامل تأثير حاسمة في مسار الحرب على سورية، التي كانت في مرحلة التوازن السلبي عندما انطلقت الحرب على اليمن، في ظل قراءة سعودية أميركية اوروبية تقول إن الجماعات المناوئة للدولة السورية تستمدّ قوتها من وجود حدود سورية مفتوحة على دول داعمة تؤمن لها الظهير والسند والتمويل والتسليح وجلب الآلاف من المسلحين، وبالمقابل فإن الدولة السورية تستمدّ قوتها من كونها تمثل الشرعية الدستورية المعترف بها دولياً، والتي تقوم بإدارة المؤسسات الأمنية والمالية والخدميّة، فجاءت الحرب على اليمن تستثمر على حصار كامل يقطع حتى الهواء عن أنصار الله براً وبحراً وجواً، وبالتوازي الاستثمار على عنوان الشرعيّة الدستورية اليمنية كغطاء لخوض الحرب ومحاولة تفعيل مؤسسات هذه الشرعية عسكرياً وأمنياً ومالياً وخدميّاً، لامتلاك موقع متفوّق في القدرة على حسم الحرب، التي توقعت الدراسات أنها ستحسم خلال أسابيع أو شهور، لهذين الاعتبارين.
– تقول القراءة الأوروبيّة الأشدّ تعمقاً في قراءة سرديّة عن الحربين أن عام 2015 الذي كان مفصلياً فيهما، كعام لتوازن سلبيّ في سورية ولبدء الحرب على اليمن، شكل نقطة انطلاق لمسارين متعاكسين في الحربين، ففي سورية بدأت الانتصارات تظهر لصالح الدولة السورية، ثم تتدحرج على مساحة الجغرافيا السورية، بينما بدأت التعقيدات تكبر بوجه ما يفترض أنها الدولة اليمنيّة المدعومة سعودياً ومن خلفها حلف دولي إقليميّ كبير، وجد فيها فرصة لحرب بالوكالة على إيران في مرحلة وصفت بمرحلة الضغوط القصوى على إيران، وفي ظل إدارة أميركية برئاسة الرئيس السابق دونالد ترامب وفرت لهذه الحرب كل أسباب الفوز، ويقارن المسؤولون الأوروبيون السابقون الذين رافقوا من مواقع مسؤولياتهم مراحل هامة من الحربين، أن حجم الدعم الذي حصلت عليه الدولة السورية من روسيا وإيران وحزب الله، أقل بكثير من حجم المشاركة السعودية والغربية في الحرب التي اتخذت من عنوان دعم الدولة اليمنيّة شعاراً لها، سواء بحجم قوة النار أو حجم الأموال أو عديد المقاتلين، بينما حجم الدعم الذي حازته الجماعات المناوئة للدولة السورية عبر الحدود مالاً وسلاحاً وعديداً، بما في ذلك التحدي الذي مثله ظهور تنظيم داعش، يمثل أضعافاً مضاعفة لما وصل لأنصار الله في ظل حصار تمكّن من إغلاق محكم للمنافذ البرية والبحرية والجوية، ولا يمكن بالتالي قراءة النتيجتين المتعاكستين للحربين إلا بقراءة الفوارق بين “الدولتين” و”المعارضتين”.
– يقول المسؤولون الأوروبيون السابقون في ورش عمل شاركوا فيها حديثاً، إن على الضفتين الافتراضيتين في التسمية لمفردة الدولة والمعارضة هنا وهناك تكمن كلمة السر، فعلى ضفة الدولة نرى في سورية رئيساً لم يغادر بلده ومكتبه في قلب الساعات الأشدّ خطراً في الحرب فيما كانت القذائف تتساقط قرب القصر الجمهوري، وجيشاً متماسكاً يقاتل بروح استشهاديّة، وشرائح واسعة من الشعب السوري تعتبر الحرب حربها بكل يقين وإيمان، وتتحمّل الحصار والضغوط والتضحيات، بينما على الضفة اليمنيّة رئيساً ووزراء وقادة وصولاً الى مستوى معاون الوزير وما دون من مستشارين ومعاونين يتوزّعون بين الرياض والقاهرة وعمان، يعيشون في فنادق خمسة نجوم، ويشمل ذلك كبار المسؤولين العسكريين، بينما يقع عبء القتال على الجيش السعوديّ والجيش الإماراتيّ، والجيوش التي ساندتهما كالجيش السودانيّ، أما على ضفة المعارضة فنرى قائداً وشعباً ومقاتلين يشكلون في اليمن وحدة متكاملة لم تغادر معاقلها رغم ضراوة النيران وشدة الحصار، تملك اليقين بنصرها، وتقدّم التضحيات بلا حساب من قادتها، وبالمقابل نرى في سورية قادة يقيمون في فنادق خمسة نجوم في باريس واسطمبول والقاهرة والرياض ودبي، يتنعّمون بالمال المفترض أنه مخصص لدعم معاركهم، وقد تحوّل مَن يفترض انهم ثوار الى مرتزقة ينتقلون من بلد الى بلد لحساب دول أخرى، فيما يستندون في معاركهم التي يسوّقونها في الإعلام على جماعات مصنفة إرهابية أمسكت الأرض التي يزعمون أنها مناطق سيطرتهم، قتلت وذبحت الشعب الذي زعموا أنهم حماته.
– يخلص المسؤولون الأوروبيون السابقون في مقاربتهم الى القول إن المقارنة تكفي للاستنتاج أن الأرض لمن يحميها ويضحّي لأجلها، وأن الصادقين في إيمانهم بما يدافعون عنه تظهرهم الحروب، حيث خطر الموت داهم، ولا مكان أمامه للاستعراض والغش، فكما النار تكشف المعادن، تكشف الحروب معادن القادة وصدق قضاياهم، ولذلك يبدو بديهياً أن يكون النصر في اليمن للسيد عبد الملك الحوثي، وأن يكون النصر في سورية للرئيس بشار الأسد، لأن القضية باتت واضحة ليست قضية دولة ومعارضة، بل قضية الصدق والتضحية.