لودريان التقى عون وبرّي والحريري وأحزاباً: العقوبات على المعرقلين ليست إلاّ بداية في مسار متشدّد
بالتزامن مع عقوبات فرضتها باريس على من اعتبرتها «شخصيات لبنانية متورّطة في العرقلة السياسية والفساد»، وتقضي بمنع دخولها إلى الأراضي الفرنسية، محتفظةً بـ»حق اتخاذ تدابير إضافية إذا استمر التعطيل»، زار بيروت أول من أمس، وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان مهدّداً بأن العقوبات بداية الطريق في مسار عقوبات متشدّد». وأكد أن لقاءاته مع رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون ومجلس النواب نبيه برّي والرئيس المكلّف تأليف الحكومة سعد الحريري، كانت «من منطلق ما يمثلون دستورياً».
وكان لودريان استهل زيارته بقصر بعبدا حيث التقى الرئيس عون الذي أكد خلال اللقاء، أن «تحقيق الإصلاحات وفي مقدمها التدقيق المالي الذي يشكل البند الأول في المبادرة الفرنسية المعلنة في الأول من أيلول الماضي، هو أمر أساسي للنهوض بلبنان واستعادة ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي. كذلك هناك أولوية قصوى لتشكيل حكومة جديدة تحظى بثقة مجلس النواب»، مشيراً إلى أنه سيواصل «بذل الجهود للوصول إلى نتائج عملية في هذه المسألة، على الرغم من العوائق الداخلية والخارجية وعدم تجاوب المعنيين باتباع الأصول الدستورية والمنهجية المعتمدة في تأليف الحكومات».
وعرض “المراحل التي قطعتها عملية تشكيل الحكومة”، شارحاً “المسؤوليات الدستورية الملقاة على عاتق رئيس الجمهورية بموجب الدستور المؤتمن عليه ومسؤوليته في المحافظة على التوازن السياسي والطائفي في خلال تشكيل الحكومة لضمان نيلها ثقة مجلس النواب”، مشيراً إلى “كلفة الوقت الضائع لإنجاز عملية التشكيل”.
وطلب رئيس الجمهورية من لودريان “مساعدة فرنسا خصوصاً والدول الأوروبية عموماً، في استعادة الأموال المهرّبة إلى الخارج”، مؤكداً أن ذلك “يساعد على تحقيق الإصلاحات وعلى ملاحقة من أساء استعمال الأموال العامّة أو الأموال الأوروبية المقدّمة إلى لبنان، أو هدر الأموال بالفساد أو بتبييضها وذلك استناداً إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد”.
وحمّل عون لودريان تحياته إلى نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، شاكراً “اهتمامه الدائم بلبنان وحرصه على مساعدته في المجالات السياسية والاجتماعية والصحية والتربوية كافة”.
ثم التقى الوزير الفرنسي رئيس مجلس النواب نبيه برّي في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، في حضور السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو والوفد المرافق.
وأشار المكتب الإعلامي الحريري في بيان مقتضب، إلى أن الأخير التقى لودريان مساء أول من أمس في قصر الصنوبر.
ـ كذلك التقى لودريان في قصر الصنوبر: حزب تقدم، بيروت مدينتي، تحالف وطني، منتشرين، عامية 17 تشرين، مسيرة وطن، الكتلة الوطنية، حزب الكتائب، رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض.
فيما اعتذر الحزب الشيوعي اللبناني و”حركة مواطنون ومواطنات في دولة” والنائب أسامة سعد لأنه يرفض التدخل في الشؤون الداخلية.
وفي السياق، أعلن المكتب الإعلامي للحزب الشيوعي في بيان، أنه وجه رسالة إلى السفيرة الفرنسية “اعتذر فيها عن المشاركة في اللقاء، وأكد موقف الحزب من النظام السياسي الطائفي ومحاولات إعادة تعويمه، وضرورة أن يندرج أساس الحل الداخلي المنشود في إطار دولة تستلهم مثل العلمانية والديمقراطية والمساواة وتكون متحرّرة من سطوة تحالف الزعامات الطائفية ورأس المال الاحتكاري. وأكد كذلك موقفه المبدئي المتمسك بضرورة إطلاق الأسير جورج عبد الله وأن استمرار اعتقاله يشكل عائقاً أمام تقدم العلاقات بين البلدين”.
بدورها، أوضحت “حركة مواطنون ومواطنات في دولة” في بيان، الأسباب التي دعتها لعدم تلبية دعوة السفارة الفرنسية للقاء لودريان، وأشارت إلى أن “السفارة الفرنسية وجّهت إلى من سمّتهم “أحزاب ومجموعات المعارضة” دعوة للاجتماع بوزير خارجيتها جان إيف لودريان خلال زيارته للبنان. وكان الموقف الفرنسي المعلن قد تطور من طرح حكومة “مهمة”، إلى تأييد تأليف حكومة برئاسة سعد الحريري، فإلى ضرورة تأليف حكومة بصلاحيات تشريعية استثنائية. هذا التطور ينمّ عن وعي متنام لخطورة الوضع في لبنان ولعجز سلطة زعماء الطوائف عن مواجهة تبعاته”.
أضاف “غير أنّ هذا الطرح ما زال في إطار البحث عن الوسائل، ولم يتبلور إلى حدّ معاينة أسباب السقوط ولا يتضمّن بالتالي تصوّراً للمعالجة”، لافتةً إلى أنه “لم يكن من مبرّر لمشاركتنا في الجلسة التي دعت إليها السفارة الفرنسية تلافياً لمنزلقين خطيرين: أن تضيع الجهود التي نقوم بها في الداخل لإرساء صيغة بديلة لعلاقة الدولة بالناس وبهمومهم، في خضم شعارات مبعثرة أو طموحات متنافرة، أو أن نجعل من الفرنسيين شهوداً على التشتّت الذي يحكم ساحتنا في وقت نسعى جاهدين للملمته حول خيارات واضحة”.
واختتم لوريان زيارته أمس، بلقاء صحافي مصغّر في قصر الصنوبر، أعلن خلاله، أن بلاده “كانت دوماً إلى جانب الشعب اللبناني وستبقى مجنّدة من أجل مساندته ودعمه”. وقال “لقد قررنا زيادة الضغوط على المعرقلين ولا يمكننا أن نبقى مكتوفي الأيدي أمام كل ما يحصل، بدأنا باتخاذ قرارات تمنع دخولهم إلى الأراضي الفرنسية وهذا ليس إلاّ بداية. وإذا استمرّ الأمر، فإنّ هذه الخطوات ستزداد حدّة وستعمم وستسكمل بأدوات ضغط يمتلكها الاتحاد الأوروبي وبدأنا بالتفكير بها معه”.
وأشار إلى أنه “بعد 8 أشهر من الجمود وانسداد الأفق يبدو أن لبنان بحاجة إلى تجديد حقيقي لممارساته السياسية والمؤسساتية، والمجتمع اللبناني بغناه وتنوعه حاضر لذلك ويمكنه أن ينهل من التعدد الديمقراطي الذي يشكل قوة له”.
وأكد أن “من الملحّ أن يخرج لبنان من المأزق السياسي الحالي ولقد عبّرت بصراحة عن هذ الأمر خلال لقاءاتي مع الرؤساء الذين قابلتهم من منطلق أنهم معنيون دستورياً بالاتفاق على حكومة، ولاحظت أنّ الفاعلين السياسيين لم يتحمّلوا لغاية الآن مسؤوليتهم ولم ينكبوا على العمل بجدية من أجل إعادة نهوض البلد”. وأضاف “أنا هنا من أجل تلافي هذا النوع من الانتحار الجماعي، وإذا لم يتحركوا منذ اليوم بمسؤولية فعليهم تحمّل نتائج هذا الفشل ونتائج التنكر للتعهّدات التي قطعوها”.
ورداً على سؤال قال “لم آتِ إلى هنا للدخول في التجاذبات السياسية، وإذا زرت رئيسي الجمهورية والمجلس والتقيت الرئيس المكلّف لأنهم يمثلون لبنان والمؤسّسات، والمعيار الأساسي بالنسبة لي هو التزامات تعهّد بها المسؤولون اللبنانيون والقوى السياسية اللبنانية هنا في قصر الصنوبر، الالتزام الأول يتعلق بخريطة طريق مع اتخاذ مجموعة من القرارات على الأمد القصير، وقد عبّر كلّ ممثل عن القوى السياسية شخصياً عن موافقته عليها أمام رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون. ثانياً: التزام تأليف حكومة مَهَمّة مؤلّفة من اختصاصيين والجميع وافق عليها شخصياً كما تمّ التزام التأليف في مدة 15 يوماً، ومرّ نحو 9 أشهر ولم يحصل شيء. على اللبنانيين القيام بمسؤولياتهم على ضوء التزامات تعهدوا بها، السؤال هو: هل يعرفون أن يبقوا مخلصين للتعهّدات التي قطعوها، واحترام كلمتهم؟”.
وكانت الخارجية الفرنسية أكدت فرض إجراءات إدارية على شخصيات لبنانية لمنعها من دخول الأراضي الفرنسية.
ورداً على سؤال، أعلنت الناطقة الرسمية باسم الخارجية الفرنسية أنياس فان دير مول “كما أشرنا لذلك، تمّ بالفعل اتخاذ إجراءات على الصعيد الوطني بهدف منع دخول الأراضي الفرنسية للشخصيات اللبنانية المتورطة في العرقلة السياسية والفساد. نحتفظ بالحق في اتخاذ تدابير إضافية إذا استمر التعطيل. ولقد بدأنا مناقشات مع شركائنا الأوروبيين حول التدابير المتاحة للاتحاد الأوروبي لزيادة الضغط من أجل الخروج من الأزمة. فالوزير موجود حالياً في لبنان ليعبّر كما قال عن رسالة حزم كبيرة للقادة السياسيين ورسالة تضامن كامل مع اللبنانيين”.