شكراً إيران رغم أصوات النشاز
ناصر قنديل
– من غير الجائز واللائق أخلاقياً الخضوع لابتزاز تجرؤ الذين صمتوا على احتلال حقيقيّ عدوانيّ مجرم ربض على صدر لبنان أكثر من عشرين عاماً، في تنمّرهم الفكري والسياسي لتحويل فريق لبناني حاز أعلى نسبة تصويت في الانتخابات النيابية الأخيرة، الى مجرد جالية إيرانيّة تحتل جزءاً من لبنان لتسويغ الحديث عن احتلال إيراني للبنان، أو الحديث عن انتهاك للسيادة يمثله السلاح المقاوم الذي جسد أنبل وأشرف ظاهرة قدّمها لبنان لشعبه ومحيطه والعالم، ولذلك يجب على كل من يعمل في الشأن العام أن يمتلك نزاهة التفكير وشجاعة القول، وهما أعلى مراتب النزاهة والشجاعة، لقراءة حجم التحول الذي يعود فيه الفضل لإيران في منع تذويب القضية الفلسطينية، وفي الطليعة قضية القدس.
– خلال أربعة عقود كان كل شيء في المنطقة سيأخذنا الى تسوية للقضية الفلسطينية على مقاس أحذية جنود الاحتلال والمستوطنين، لا مكان للقدس فيها ولا لحق العودة للاجئين ولا لدولة الحد الأدنى من مقومات الحياة والسيادة، وصولاً لفرض توطين اللاجئين وفرض التطبيع على دول المنطقة، لولا أن إيران جعلت من القضية الفلسطينية، وقضية القدس شأناً أول في اهتماماتها كدولة، وخصصت لذلك جزءاً كبيراً من مواردها، وعرضت بفعلها أمنها للخطر، وفرضت بسببها على شعبها شروط حياة قاسية، والكل يعلم أنه لولا هذا الالتزام الإيراني الجدي والمثابر لما تعرضت إيران لما تعرّضت له. وبالتوازي لولا هذا الالتزام الإيراني لما كانت القضية الفلسطينية وقضية القدس في المكانة المتقدّمة التي نعرفها اليوم.
– في الحوارات التي مهّدت لكتابي حزب الله فلسفة القوة، كان السؤال المحوريّ الذي طرحه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله، ورئيس المجلس التنفيذي للحزب السيد هاشم صفي الدين، حول فرضيّة ماذا كان سيكون عليه حال حركات المقاومة لو لم يكن هذا الالتزام بفلسطين وحركات المقاومة عند الإمام الخميني، وماذا لو لم يكن الإمام الخامنئي مؤمناً بالمضي بمستوى الأولوية ذاتها في هذا الالتزام، وماذا لو لم يكن هناك قادة يجسدون هذا الالتزام من نوع الحاج قاسم سليماني يحملون فلسطين والقدس في عقولهم وقلوبهم ووجدانهم. وكان الجواب قطعياً، بأن الأمور كانت ستتخذ مساراً آخر، أشدّ صعوبة وتعقيداً بما لا يقاس، إذا لم يكن الوضع أشد قسوة من مجرد التعقيد والصعوبة.
– بفضل صمود إيران وتنامي مقدراتها ودعمها لحركات المقاومة، وقيادتها لمحور المقاومة، وبفضل هذه المقاومة وهذا المحور، ولدت معادلة إقليميّة جديدة تقع فلسطين والقدس في قلبها، وخلق مناخ شعبي تحدثت عنه وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون منذ عقد ونيّف، عنوانه ولادة الأمل بالتحرير، وتحدث عنه قادة كيان الاحتلال مراراً اسمه إعادة طرح مبدأ وجود الكيان على الطاولة، وولادة أجيال من الفلسطينيين تؤمن بإمكانية زوال الكيان، وأجيال من المستوطنين تعيش قلق الوجود، وصولاً للحديث عن حرب استقلال جديدة. وبالتوازي بفضل هذه المقاومة ومحور المقاومة سقطت صفقة القرن وبدا التطبيع هزيلاً وهشاً، وما تشهده فلسطين والقدس هذه الأيام هو تعبير عن روح فلسطينية أصيلة كبحتها مناخات الاستسلام العربيّة، وأعادت إطلاقها مناخات انتصارات محور المقاومة.
– يوم القدس الذي شكّل أحد أعمدة الاستراتيجية التي أطلقها الإمام الخميني لترجمة شعاره اليوم إيران وغداً فلسطين، والذي أحيته بالأمس عشرات الملايين، ومئات المدن عبر العالم، هو أكبر عمل تعبويّ لحفظ القضيّة الفلسطينيّة والقدس في الذاكرة الجمعية للإنسانية، بوجه حروب كي الوعي، منذ اغتصاب فلسطين، وهو أذكى أنواع الحرب النفسية والإعلامية والحرب الناعمة لتدمير يقين تجمع المستوطنين بوعدهم الإلهي الخرافي. وها هو اليوم قد أصبح موعداً سنوياً لتجدد الانتفاضة ورفع منسوب القلق الوجودي في الكيان، وكل سنة يبدو بوضوح أن منسوب اليقين بحرية القدس وفلسطين يرتفع، وأن منسوب اليقين ببقاء الكيان يتراجع. وهذا معنى أن شعار “القدس اقرب” كان تعبيراً عن حقيقة.
– الذين يؤمنون بالحقائق التي أوردها المتنورون والنهضويون مطلع القرن الماضي على اختلافهم العقائدي، وعنوانها أن لا تنمية ولا استقرار ولا استقلال، في أي من بلدان المنطقة، ما دامت يد كيان الاحتلال هي العليا، يدركون عظمة البركة التي حلّت على بلادنا بانتصار الثورة الإسلامية في إيران، بموقفها الطليعي التاريخي الجذري من هذا الكيان وحجم ما بذلت وتحملت لقاء هذا الموقف.