تركيا إدارة عثمانيّة – أميركيّة في وجه الصين وروسيا!
} د. وفيق إبراهيم
يعاود الأميركيّون بناء منظومة سوبر عالميّة لمجابهة أخصامهم العالميّين، فيقع الدور على تركيا المتربّصة كعادتها في عين التاريخ تحاول أن تستقطع منه دوراً وأهمية.
ما هو معلوم هنا، أن العرب في الشرق الاوسط وشمال افريقيا كدأبهم ضحايا هذه المشاريع الدولية، لضعفهم وثقتهم ينتظرون سياسات ترتدي شكل تسويات تخفي في الحقيقة انهيارات سياسيّة عميقة في الداخل وضعفاً خطيراً جداً في العلاقة مع الخارج، فمن يصدق أن عداءات سعودية – مصرية مع تركيا تنتهي بإشراف أميركي على مصالحات لا تخرج عن محاولات منع التمدّد الصيني من اختراق العالم العربي وإصرار الروس على بناء مواقع جديدة لهم في العالم العربي اعتقاداً منهم أن عصر كورونا والجمود الدولي الجديد يسمح لهم بالتسلل الى الشرق الأوسط والتربّص في بعض أنحائه.
كيف تجري هذه العملية البطيئة؟
إن تسلم بايدن لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية تعني على الفور ضرورة بناء سياسات دوليّة جديدة لمكافحة الأخطار الدولية الجديدة على التمدد الأميركي العالمي وأهمه في العالم العربي حيث يوجد ما يحتاجه الجيوبوليتيك الأميركي: القدرة على الاستهلاك القوي للبضائع الأميركية وامتلاك كميات ضخمة من النفط والغاز والممرات المائية الضخمة في بحري الأحمر والمتوسط والتخلف العلمي – الاقتصادي الذي يتطلب مرحلة ضخمة للخروج المستحيل منه.
هناك اذاً صراع دولي جديد على نحو 300 مليون عربي بين أميركيين أقوياء وصناعيين وممسكين بالصراع الدولي مع صين جامحة تحمل بضائع رخيصة العرب بأمس الحاجة إليها، لكن المنع الأميركي يحول دون علاقات عربية صينية حميمة، وهناك روس يطمحون الى نشر أسلحتهم الأقوى في العالم، لكن السياسية الأميركية تطيح بأحلامهم.
وبذلك ينشب الصراع الثلاثي الأميركي الروسي الصيني وسط استكانة عربية مضحكة تظهر واضحة في مصر والسعودية باعتبار أن كامل ما تبقى في العالم العربي إنما هو صدى للسياسات الأميركية – الخليجية الأساسية.
ماذا يجري في العالم العربي؟
خليج ضعيف وركيك يضغط على مصر ملاعباً سورية لمنع أي اختراق صينيّ روسيّ ومحاولات التخفيف من الدور الإيراني.
وهذا العالم العربي ضعيف اقتصادياً ومهمّش عسكرياً وليس لديه إلا قوى إعلامية تنطق بما لا تملك ولا تعبر الا عن القوى الأميركية وتحاول المناورة على روسيا والصين بأن لديها شيئاً من حرياتها التي تتيح لها التفاعل النسبي الإيجابي مع أربع دول هي ايران وسورية والصين وروسيا، لكنها لا تحوز في حقيقة الأمر إلا على اصوات ومحاولات تخدم حالياً ضرورة منح وقت للجيوبوليتيك البايدني الجديد الذي يبذل جهوداً لتركيب حلف أميركي اوروبي عربي يمسك بالهيمنة الاقتصادية العسكرية في العالم.
ماذا عن الوضع الصيني؟ تبذل الصين جهوداً جبارة لإفهام العرب أن لديها ما يجعل منها امة قابلة للتقدم الاقتصادي فتحاول اختراق مصر وسورية والسعودية، وتعمل على إيجاد حلف متدرّج مع إيران انطلاقاً من التفاهم مع سورية.
هذا الدور الصيني متكامل اقتصادياً، لكنه يصطدم بالدور النفطي الخليجي الذي يبدو وكأنه جنوح الى هذه السياسة، لكنه لا يعمل في السر إلا وفق السياسة الأميركية.
فالسعودية المضطربة اقتصادياً تتلاعب بالدور الصيني وتحاول إيجاد تسويات مع ايران وسورية وتراسل الصين سراً. لكنها تلعب في العمق وفقاً لما يخطط له الأميركيون.
اما لجهة الأتراك فهم واثقون من حركتهم، فهم تمكنوا من احتلال قسم من العراق وسورية وليبيا ويتخذون سياسات في إطار الاخوان المسلمين في اليمن ولبنان ومصر والسودان، وجيبوتي وصولاً الى القرن الأفريقي، بما يؤكد أن الأتراك هم أقوى قوة سياسية وعسكرية في العالم العربي. وهذا يمنحهم حرية الحركة والتعاقدات مع الأميركيين الذين وجدوا في إعادة تنشيط الدور التركي رسالة لوقف زحف السلاح الروسي الى عالم العرب وإعطاء الدولة العثمانية فرصة التجذّر العميق في مساحات عربية تزيد عن مئات الآلاف من الأقمار، وهذا يعزز من الحركة الأميركية بالإمساك الميداني بالعالم العربي عبر الأتراك الين وجدوا في الاخوان المسلمين العرب والدوليين أفضل وسيلة للتجذر في هذه المنطقة، ويصادف أن هذا المدى يسدي اليهم فرصاً اقتصادية وافرة لمنع انهياراتهم في الداخل التركي.
فأردوغان الباحث في زوايا التاريخ عن عثمانيته يرى أن الخطة الأميركية تمكنه من السيطرة على العالم العربي وتمنحه اقتصاداً قوياً ورعاية أميركية أقوى.
هذا ما ترسمه حالياً السياسة الأميركية الجديدة الخاصة ببايدن ويراه الصينيون والروس بشكل جيد، لكنهم يعملون سراً على مجابهته، لأن لا قدرة لهم على التصدي إلا بأسلوب عرض المزيد من المصالح على العرب انطلاقاً من علاقتهما الجيدة بسورية وإيران.
وهنا يرى الخبراء أن العلاقات الصينية – الروسية مع سورية وإيران قابلة للارتقاء الى مستويات أعلى انما بعد انهيار مفاوضاتهما مع مصر والسعودية العمودين الفعليين للصراعات الدولية الجديدة.
لكن الآمال على السيسي ومحمد بن سلمان ضعيفة وأسوأ من التحليلات التي تراهن على انتفاضة لهم في وجه الأميركيين.
فماذا تفعل الصين وروسيا؟ الصراعات الدولية مستمرة ولغتها النجاحات في عرض مصالح اقتصادية على دول الصراع تستطيع جذب العرب الى العالم الجديد.