عودة ذوالفقار… «بالغضب والنار»
} ابراهيم وزنه
لم أتفاجأ عندما أرسل لي صديقي المشترك مع الشهيد القائد مصطفى بدر الدين (ذو الفقار)، نشيداً من العيار المؤثّر، غنياً بالمفردات الثورية الداعية لإخراج الصهاينة من الحرم القدسي بالقوّة.. نشيداً صاغ الشهيد كلماته في زنزانته أواخر العام 1989 لمناسبة الذكرى الثانية لانتفاضة الأقصى الشريف.
استمعت واستمتعت مراراً، فعادت بي الذكريات إلى أيّام طفولتنا معاً، أيّام محاولاته الأولى في الصياغة الأدبية والتقديم والإلقاء والخطابة الارتجاليّة في مسجد الإمام زين العابدين (ع) في الغبيري.
أخي مصطفى، أخاطبك في عليائك، لأخبرك بأنني استمعت لكلماتك المنشودة عشرات المرّات، ووزّعتها على عشرات الأصدقاء بفرح وافتخار، وما أروعك وأنت تطلّ علينا من جديد في الذكرى السنوية الخامسة لشهادتك المباركة من خلال نشيد حافل بالنفحات الشعرية الصادقة، ترجمت فيه صدق مشاعرك وتعاطيك مع القضية الرمز، وأنت الذي عشت الجهاد من المهد إلى اللحد، وعاشت فلسطين في قلبك باكراً.
آه ما أجمل كلماتك يا صديقي، مطلعها «غضب ولهب» وفيها دعوة لأبناء «المخيّم والنقب» لرمي «الحجارة والشهب» إلى «العدو المغتصب» وصولاً إلى تحقيق الهدف الأسمى وتحرير المسجد الأقصى بالرغم من خيانات القادة العرب، اللاهثون خلف الغرب، المفتونين «بالرقص والطرب»… حتى أضحوا ألعوبة بيد الآخرين.
صرخة «ذوالفقار» من خلف القضبان والتي أطلقها منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ها هي اليوم تفعل فعلها، على عتبة ذكرى استشهاده المصحوبة مع وقفات العز والصمود لآلاف المقدسيين وهم يواجهون بحجارتهم وصدورهم العارية صلف ذاك الصهيوني الغاشم، الساقط من كل قيم والمدعوم من «عصابة الأمم»!
وللتاريخ، يطيب لي في هذا المقام، ومن وحي المناسبة، أن استذكر شغفك الطفولي بإلقاء القصائد وترنيم الأناشيد الاسلامية، كنت تحفظها عن ظهر قلب، وغالبيتها من كلمات صديقنا الشاعر هاني الحركة والحاج الحبيب محمود قماطي… بالإضافة إلى حرصك على استعارة الكتب بشكل أسبوعي من مكتبة المسجد… حتى أصبحت الخطيب المفوّه خلال فترة دراستك الجامعية، كما تميّزت بقدرة إقناعك وعرض أفكارك من دون أي تعقيدات أو تأويلات لمحاوريك في شتّى المواضيع.. وفي ساحات العمل الجهادي الذي عشته حتى الثمالة، أبدعت بمخاطبة قلوب المجاهدين وعقولهم، فزدتهم صلابة وإيماناً وحبّاً بالشهادة، وأيضاً لن أنسى مدى استئناسك بتلاوة القرآن وقراءة الأدعية في حرم المسجد بصوتك الرخيم.
صديقي مصطفى، قبل استشهادك بعدّة اشهر وعدتني بأن نسترجع أياّمنا الخوالي، لكنك استعجلت الرحيل، وعدت شهيداً من سورية في 13 أيار 2016 كما أردت وصرّحت، لتقطع بذلك طريق التلاقي وتضيع الأمنيات التي تواعدنا عليها… أخي مصطفى، أخبرك أيها الساكن في الفردوس الأعلى، ونحن على أعتاب عيد الفطر المبارك الذي يتوافق في هذا العام مع يوم شهادتك، بأن الفرحة تغمرني، لأنّي أراك عشت من جديد من خلال سلاحك الأمضى «الكلمة»، وأنت في ذاكرتي على الدوام… ذاك المتألق في ساحات الجهاد والقتال والخطابة والكلمة الطيبة والصوت العذب.