حزب الله نموذج إقليميّ للملتزمين بقضايا الإقليم
د. وفيق إبراهيم
يثير موقف حزب الله من انتفاضة الفلسطينيين حسد فئات من منتحلي صفات العروبيين والوطنيين والإسلاميين والمنطوين داخل أقاليمهم معتقدين أنها نهاية العالم.
ابتدأ حزب الله حركة تأسيسه بصراع حادّ مع العدو «الإسرائيلي» وأدّى إلى توجيه ضربة ساحقة له طردته من جنوب لبنان وقضت على آماله بالتقدّم نحو نهر الليطاني.
عند هذا المفترق الخطير استمرّ حزب الله في النمو الفكري والتحريري ناجحاً في منع الأنظمة التقليدية من الإساءة الى أدواره واضعاً «إسرائيل» نموذجاً لتجميع أكبر كمية ممكنة من التحالفات. فها هي سورية الى جانب الدعم الإيراني والتأييد الحربي العراقي يتجمعون في حلقة بركانية مشكلين خماسياً لبنانياً فلسطينياً عراقياً سورياً وإيرانياً، نجح في الجمع بين الحلف الأميركي «الإسرائيلي» وتصدّى له في كل مكان تقريباً ملحقاً هزائم في ساحات العراق وفلسطين ولبنان وسورية وإيران وكاد أن يجعل هذه الهزائم تتقدم نحو بلدان أخرى، لكن الحساسية العربية المنصاعة للأميركيين حمت نفسها بالفتنة السنية – الشيعية وزعمت أنّ الشيعة المدعومين من إيران يريدون السيطرة على بلدان العرب، فنجا الخليج من تحرير فعلي كانت الصراعات مع الأميركيين تدفع منطقياً إليه.
بذلك نجح حزب الله في تسجيل تحالف تحريري باسمه في دائرة التحالفات الدولية الكبيرة كادت أن تصل إلى اميركا الجنوبية عبر الحليف الفنزويليّ، وتجتاز خطوط شمال أفريقيا في تونس والجزائر لولا انقلابات مباغتة تبيّن آنفاً انّ الأميركي هو الذي أنتجها وطوّرها للقضاء على أيّ نجاح لأحلاف مقاومة او ما يشابهها.
فكان ان عاد حزب الله الى عرينه الشامي العراقي متحوّلاً الى أقوى قوة سياسية وعسكرية في مدى يسيطر على آلاف الكيلومترات مشكلاً ما يشبه قنبلة هائلة الوقع تتخذ من فلسطين بعداً أساسياً لها، وتتعامل مع الأنظمة على أساس الموالاة على أشكال العلاقات مع سورية وإيران وصولاً الى العراق حيث أحزابه الوطنية تمسك بقسم أساسي من السلطة فأصبحت المديات العراقية – السورية – الإيرانية ملعباً لعشرات آلاف المقاتلين يتدرّبون على كلّ أنواع الأسلحة ويطوّرونها.
لكن سورية تبقى المدى الوطني لحزب الله حيث استطاع مجابهة الإرهاب والأكراد والأميركيين ومعارضات مشبوهة وأتراك في شرق سورية ومعظم مجالاتها الأخرى.
فسجل تحالفاً وطنياً سياسياً مع الدولة السورية وعلاقات عسكريّة وطيدة تحوّلت الى ما يشبه الجيش الواحد والعلاقات العسكرية الشديدة التنسيق لتحقيق أهداف سياسية موجودة.
بذلك أصبحت سورية الأسد الغطاء الكبير الذي يرتبط بحزب الله في كلّ الجوانب، هذا بالإضافة الى إيران التي ترى بدورها أنّ حزب الله هو المعبّر عن سياساتها في المنطقة العربية بأسرها.
لذلك استفاد حزب الله من هذا الغطاء السوري الإيراني وعلاقته العميقة بالفلسطينيين وقوّته في لبنان من تنفيذ أكبر عملية لمواجهة الإرهاب في سورية أولاً وثانياً في جبال لبنان وبعض مدنه، حيث أثبت هذا الحزب أنه قوة لحماية أوطان وليس مجرد أدوات إذاعية كحال بعض الإسلاميين ومنتحلي صفات فارغة من محتويات حقيقيّة.
وطيلة هذه المدة كان حزب الله يمتزج بالتنظيمات الفلسطينية موفراً لها الدعم المادي والتسليح ووحدة الفكر وعداء «إسرائيل».
انّ هذه المعارك الأخيرة على التراب الفلسطيني تكشف مدى نجاح حزب الله في تحالفاته مع الفلسطينيين. يكفي أنّ حماس وكامل تنظيمات فلسطين تعترف أنّ الحزب هو مَن وفّر لها أدوات الحرب والسياسة، فيما كان الإسلاميّون والعروبيّون المنتحلون والأحزاب القطرية تعتقد أنّ قضية فلسطين انتهت والى الأبد، لكنها اكتشفت انّ فلسطين خالدة في القلوب والرؤوس وأنها لا تموت لأنّ دعم حزب الله سيتواصل واعتبار الحزب نفسه جزءاً من فلسطين قضية ليست قابلة للفناء.
