غزة تخوض حرب الـ 48 من جديد وتعيد الكيان الى ما قبل التأسيس…
محمد صادق الحسيني
بعد قتال منقطع النظير وشديد البأس وبكفاءة عالية وتكتيك عسكريّ متقَن ومحسوب خاضته غزة هاشم مع حكومة الكيان المترنّحة بين مناورات لم تفلح حتى في إطلاقها رغم الإعلان المدوّي عنها قبل الحرب، وسياسة فرض السطوة الصهيونية على بيت المقدس والأقصى المبارك كما خطط نتن ياهو ليخرج بطلاً عند اليهود… فإنّ التقارير الواردة من الميدان وأروقة المفاوضات غير المباشرة بين العدو الصهيوني والمقاومة الفلسطينية تفيد بانقلاب الصورة التقليدية لمعادلة موازين القوى على الساحة الفلسطينية يمكن إجمالها على الشكل التالي:
1 ـ أياً تكن نتائج المعركة العسكرية بحسابات حجم الضحايا والدمار المادي فإنّ غزة ستخرج منها هي المنتصرة بشكل نوعيّ لا يصدّق سيشكل انعطافة في مسار حرب التحرير الفلسطينية، كما سنبيّن في البنود التالية.
2 ـ انّ تعثر أجندات وقف إطلاق النار والتهدئة التي يتوسّلها العدو منذ أيام سببه تراكم القوة الميدانية التي بدأت تنعكس بشكل ملحوظ على المفاوض الغزي بحيث إنه ورغم كلّ الضغوط التي تمارس عليه من جانب المجتمعين الدولي والإقليمي فإنه أبلغ الجميع بما لا يقبل الشك والترديد بأنه يرفض رفضاً قاطعاً الورقة الأميركية التي حملها هادي عمرو ممثل بايدن الى كلّ من المصريين والأتراك والقطريين وعباس في محاولة منه لإنقاذ صورة الكيان «الإسرائيلي» المهشّمة واعتبارها ورقة هزيلة لا ترضي سوى طموحات نتن ياهو الساعي للخروج ببعض ماء الوجه من معركة أطاحت بصورة كيان «الدولة العظمى» وحوّلت جيشه الى عصابات هاغانا وشتيرن مطاردة من قوات الفدائيين العرب كما كانت حالها ما قبل قيام الدولة العبرية، كما أعادت نتن ياهو الى المربع الاول في معركته ضدّ غرمائه في السياسة الداخلية الصهيونية.
3 ـ ولكن لعلّ أهمّ ما أفرزته معركة سيف القدس هو أنّ غزة بفصائلها المقاومة مجتمعة خاضت هذه المرة في الميدان كما في السياسة ما لم تخضه الجيوش العربيّة من معارك منذ النكبة حتى يومنا هذا!
فما فعلته تكتيكات وسياسات خوض المعارك العسكرية والسياسيّة الغزية في هذه الجولة من الحروب مع الكيان استطاعت عملياً إعادة رسم خريطة المواجهة مع العدو الصهيوني الى أجواء عام 47 عندما كانت فلسطين التاريخية لم يتمّ تقسيمها، والكيان لم يتشكل بعد، أيّ كأنها أعادت الكيان رغم مرور 73 عاماً على تشكيله الى نقطة الصفر.
4 ـ للمرة الأولى ترسم غزة خريطة فلسطين التاريخية بصواريخها وليس بالذاكرة فحسب، حيث تمكنت منظومتها الصاروخية من قصف مساحة كلّ الأرض الفلسطينية المحتلة من مطار رامون العسكري قرب إيلات جنوباً الى نهاريا والناقورة في أقصى الشمال، ولم تترك مستعمرة في بلدات الساحل الفلسطيني او الضفة الغربية ومحيط القدس إلا وقصفتها.
5 ـ للمرة الأولى مرة تخوض غزة حرباً مع العدو ولا تطالب لنفسها بشيء، بل إنّ مطالبها هذه المرة هي إغلاق ملف الشيخ جراح وتحرير باب العمود من احتلال جنود الكيان واستعادة الأقصى من سطوة الجيش والمستوطنين، بالإضافة الى وضع حقوق الفلسطينيين في فلسطين الـ 48 على طاولة المفاوضات من جديد، وهذا ما يحدث للمرة الأولى في كلّ جولات القتال التي خاضتها المقاومة الفلسطينية على امتداد طيفها وتاريخها، ما يعني انّ غزة الفصائل والمقاومة باتت قوة نوعية إضافية في الحرب والسلام وليست منطقة محاصرة محتاجة لعطف المجتمع الدولي والإقليمي.
إنه مشهد نوعي جديد ومعادلة لم يسبق ان تبلورت على ساحة النضال الفلسطيني، وهو ما سينعكس على كل موازين القوى في معركة حلف المقاومة مع العدو الصهيوني وسيده الأميركي.
6 ـ انّ هذه الجولة من الحرب يمكن اعتبارها بامتياز اختباراً عملياً وميدانياً و»بروفة» نهائيّة يقوم بها محور المقاومة مجتمعاً لما يمكن أن تكون عليه الصورة في المنازلة الكبرى التي تعدّ لها قوى محور المقاومة منذ سنين، والتي جعلتها معركة سيف القدس أقرب مما يتصوّر الصديق والعدو.
يوم نبطش البطشة الكبرى.
بعدنا طيّبين قولوا الله…