السياسة الخارجيّة اللبنانيّة على مزاج حكام الخليج!
} د. وفيق إبراهيم
تتعرّض الدولتان الإيرانية والسورية لحملات من سياسيين لبنانيين، بعضهم من الصف الرسميّ العالي الدرجة وقلة منهم من الطبقة السياسية السائدة التي لا تميّز بين الذكر والأنثى.
هذان البلدان هما المادة الأساسية للحملات الصحافية في تلفزيونات هذه الطبقة السياسية. هذا بالإضافة الى صحفها وأجهزة الراديو الخاصة بها والمقابلات التي تشمل معظم سياسييها من الصباح الباكر حتى منبلج المساء.
لا أحد يعترض على هذه الغوغاء السياسيّة التي تتحوّل فيها صبيان السياسة المعادين لسورية وإيران إلى أسود في إعلام منافق لا يقنع أحداً، لكنه ينال جوائز ترضية من السفارات الأجنبية وبلدان الخليج، فكلما نال هؤلاء من السياسة الإيرانية سواءٌ تلقوا دعماً من بندر واخوانه وحكام الإمارات الموالين لـ«إسرائيل» ومعهم قطر وغيرها.
كذلك فإن دولة لبنان الكبير تتجاهلهم ولا توجّه إليهم أي نقد وتستفيد في معظم الأحيان من مطالعاتهم الإعلامية بتسهيل عمليات الحصول على مساعدات وقروض.
هذا النمط السائد لعشرات التنظيمات السياسية اللبنانية التي لم تتوقف لحظة عن ممارساتها في استهداف سورية وإيران وصولاً الى الرئيسين بشار الأسد والشيخ روحاني من دون أي ملل او كلل، والطريف أن أحداً من المعارضة المحسوبة على إيران وسورية أو من جانب الدولة وجّه إليهم انتقاداً او دعوة الى السكوت.
فهل يحق لرجال الدين رسميين من دور الإفتاء وسياسيين من مختلف الطبقات التعرض لمسؤولين في دول عربية وإسلامية وأخرى حليفة لها من دون أن تتعرّض حتى لمجرد توجيه بسيط؟
لكن ما يؤرق النفس هو الكمين الذي نصبته هذه القوى السياسية لوزير الخارجية شربل وهبة الذي أطلق انتقادات سطحية للسياسات الخليجية التي تخلت عن لبنان، وقال كلاماً لا يحدث ثقوباً في كرامة أيّ من هؤلاء.
بالعمق يبدو أن الوزير وهبة الحريص على وطنه اللبناني انتقد لجذب الاهتمام الخليجي له، فبدا الأمر وكأنه وقع في كمين منصوب لفريق الرئيس ميشال عون.
يقوم هذا الكمين على أساس الفرار من الحرب في فلسطين من خلال اختراع تحالفات لحماية الخليج من الوزير وهبة، والحقيقة أن هؤلاء السياسيين المرتكزين على النفاق يستغلون الموضوع الفلسطيني للهرب منه، وإعادة محورة السياسة اللبنانية حول السياسة الخليجية.
هنا الكل يعلم أن الخليج هارب من أي إقرار حاسم أو جدي يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وهذا الكل يعلم أيضاً أن إمكانية الفرار غير ممكنة إلا باختراع صراعات ذات طابع إيراني أو سوري.
لذلك رأوا في كلام وهبة الشديد السطحية فرصة لتحشيد لبنان حول الخليج وتكليفه مسألة انتقاد إيران وسورية ولا شيء غيرهما وذلك لعدم التدخل في الهجوم الإسرائيلي على الضفة الغربية.
الهدف اذاً هو أهرب من فلسطين وركز على إيران وسورية فتربح الخليج والأميركيين وربما الأوروبيين أيضاً.
والضحية هو هذا السياسي اللبناني من الصف الثالث الذي اريد من استهدافه إصابة الرئيس ميشال عون باعتبار أنه محسوب عليه ويشكل عضواً في كتلته.
فهل تنجح اللعبة؟ او بالأحرى هل يسمح حزب الله بتمرير هذا الخطأ الخبيث الذي يريد الإساءة الى حلفائه في التيار الوطني الحر والعودة الى الإمساك بالسياسة اللبنانية العامة ووضعها في خدمة الحلف الخليجي – الأميركي.
ما هي آفاق هذا الصراع مع وهبة بالتالي مع فريق العماد عون؟
إن محاولة نصب فخ سياسيّ قاتل لعون بتأزيم علاقاته بالخليج وقطع أفق المعونات والقروض هي مسألة مؤذية للبنان بأسره.
ويبدو أن طلب عون من وهبة الاعتذار والتراجع هي من المسائل المطلوبة خليجياً.
لكن هناك في دور الإفتاء ومراكز القوى السياسية من يحاول الدعوة الى التظاهرات لتحشيد المزيد من دفع دول الخليج لمعاداة عون حصراً مع كامل فريقه، ما يؤدي الى إبعاد جبران باسيل عن التقدّم للترشح الى رئاسة الجمهورية في الولاية المقبلة.
هناك ملاحظة إضافية وهي أن حزب الله امام خيارين شديدي المرارة، إما أن يصمت سامحاً للأدوات الخليجية الإمساك بالشارع والسياسة اللبنانية وإما أن يتحرك بدعوات مماثلة، وبيد أنه ذاهب الى الصبر، اما اذا وجد نفسه مضطراً فقد يدعو الى تظاهرات مؤيدة للسياسة اللبنانية الرسميّة وهذا أفضل الممكن.