منطق المقاومة ومنطق العدوان صراع الكفّ والمخرز
سعادة مصطفى أرشيد*
تدخل الحرب على غزة يومها العاشر، والاحتلال يضرب براً وبحراً وجواً، بكلّ ما أوتي من قوة، وبما لديه من آلات البطش والقتل والتدمير، مرتفعة الثمن، والمعقدة تكنولوجياً، فيما المقاومة تطلق صواريخها البسيطة التصنيع، الزهيدة الثمن، ولكن العالية الفعالية، لتسقط في مستوطنات ومدن الاحتلال، محدثة قرحاً يفوق في مفاعيله السياسية والعسكرية والنفسية القرح الذي يصيب غزة، مع فارق مهمّ، وهو أنّ شعب المقاومة في غزة، يقف خلف مقاومته مستعداً لبذل المزيد من التضحية والعطاء، فيما شعب الاحتلال المتفوّق، يبدي تهافت غروره وقوته، ويظهر مقادير عالية من الفزع والوهن، مما يكشف ضعفه البنيوي، وانخفاض ثقته بقيادته.
إنه منطق العدوان، والظنّ أنّ فائض القوة قادر على حسم الحروب والمعارك، لذلك لا تملك حكومة الاحتلال إلا الإمعان في القتل والتدمير، ولكنها تفتقد رؤية معاني الانتصار وكيفية إنهاء المعركة، وهو في النهاية – إن افترض أي مراقب جدلاً – أنّ الاحتلال يستطيع توجيه ضربات بالغة الأذى للمقاومة وبيئتها الحاضنة، أو استطاع اغتيال قادتها، فهو بكل حال يستحيل عليه القضاء عليها، فهي قادرة دائماً على النهوض من جديد، وقادرة على إنتاج قيادات من الوزن والثقافة والإيمان ذاته، والاحتلال لا يستطيع دخول غزة وحكمها، وهو الذي كان سعيداً برحيله عنها، وليس لديه مَن يقوم بالمهمة نيابة عنه.
منطق العدوان، منطق يشترك به الاحتلال، مع كل قوة غاشمة عدوانيّة، سواء في العالم أو في الإقليم، السعودية القوية والثرية كانت قد أعلنت وباشرت حرباً بائسة، يائسة منذ ستّ سنوات، على اليمن الفقير الجائع، ظنت السعودية أنّ التحالف الدولي والإقليمي القوي والواسع، قادر على حسم الحرب خلال أسبوعين، واندفعت بما تملك من فائض سلاح وعتاد، وفائض مال وفائض حلفاء لحسم المعركة، وسحق الحوثيين وهزمهم، وجعل اليمن مجالاً حيوياً للسياسة السعودية وملحقاً بها، لم تترك السعودية وتحالفها مستشفى أو مدرسة أو روضة أطفال أو مكتبة عامة من دون أن تسوّيها بالأرض، ولم تدع طائراتها شارعاً أو جسراً أو محطة كهرباء وشبكة توزيع مياه إلا ودمرتها، أنفقت حسب ما يعرف العالم وما يكتب بالصحافة العالمية، ما يقارب من تريليون دولار على هذه الحرب، وبرغم كلّ هذه الأكلاف، فإنها لم تستطع تحقيق أي تقدم أو انتصار ولو شكلياً، ولا زالت الحرب مرشّحة لأن تطول لسنوات مقبلة من دون أن يصيب اليمن أي ضعف أو وهن، ولن تنتهي هذه الحرب، إلا إذا أعلنت السعودية هزيمتها واندحارها، ولتبقى اليمن شوكة في حلق السعودية وتحالفها الذي أخذ بالتفكك.
منطق العدوان هو ذاته في اليمن أو غزة، لا فرق، ففي حين يرى وزير الدفاع (الإسرائيلي) الأسبق افيغدور ليبرمان، أنّ حرب غزة لن تأتي لدولته بالنصر، وإنما بإنذار متسائلاً: إن كانت غزة الصغيرة المحاصرة، قد فعلت بنا كل ذلك، ولم نستطع تحقيق انتصار عليها، ولن نستطيع، فكيف سيكون حالنا في أية مواجهة مع المقاومة اللبنانية او إيران؟ هذا في حين يرى بن يامين نتنياهو، أن القوة والبطش الممارسَيْن في غزة، من شأنهما إيصال الرسائل للمقاومة اللبنانية، عما سيحصل للبنان، من قتل وهدم وتدمير للبنى التحتية، في أية مواجهه مقبلة، وبن يامين نتنياهو، مهما بلغ فشله في تحقيق أهداف الحرب، إلا أنه لا يريد أن يعطي المقاومة نصراً، لما يشكله ذلك من خطر استراتيجي حسب قوله لا على (إسرائيل) فحسب، وإنما على منطق العدوان وأهله من حلفاء (إسرائيل) قدامى وجدد، أعاريب وأجانب.
إذا كان ما سبق هو منطق العدوان، فإنّ للمقاومة منطقها المضاد، منطق المقاومة هو منطق الصمود والدفاع عن شعبها والالتزام بثوابتها، منطق الانتصار الذي تقوم مفاهيمه على سياقات يحددها العقل المقاوم، من الصحيح والطبيعي أن أكلافها مرتفعة، ولكن حساباتها لا تسير وفق حسابات دفترية محاسبية، وإنما بنتائجها على الأرض، وفي قدرتها على تحقيق أهدافها فهكذا يكون الانتصار، ولا تحسب بطريقة كم شهيداً ارتقى إلى السماء، كم برجاً سكنياً هدمه القصف، وكم كلفة إعادة بنائه، كم حقلاً زراعياً احترق، وهكذا، فإنّ ما لا يدركه منطق العدوان وسلاح العدوان، أن الهدم والموت، عندما يصبح ثقافة وأمراً عادياً وأسلوب حياة، فإنه بهذا يفقد قدرته الردعيّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*سياسيّ فلسطينيّ مقيم في جنين – فلسطين المحتلة.