غدُ فلسطين ليس كأمسِها…
} السيد سامي خضرا
الشيء المؤكد مما يجري على أرض فلسطين أنّ مُتغيّرات حتمية قد حصلت وأنّ الواقع الذي ساد لعقود أصبح من التاريخ ولنا أن نتذكره أو نَقُصَّهُ قِصصاً للأجيال الآتية ليبقى ذكرى فحسب.
فالأحداث تتسارع خاصةً أنها نوعية وغير مسبوقة والصورة تنقلب حتى بات العدو في حيص وبيص يظهر في قراراته وشاشاته.
فلأول مرة ومنذ إنشاء هذه الدولة التي أُريدَ لها أن تجمع يهود العالم في قلب عالمنا الإسلامي تواجه مثل هذه الرشقات الصاروخية المتتالية على مدن أساسية منها تل أبيب.
ولأول مرة يُطلبُ منع تجوّل قسري على المستعمرين الوافدين الآتين من بقاع الأرض ليحتلوا منازلنا ومزارعنا وأرزاقنا وأملاكنا.
ولأول مرة تنقلب حياتهم على غير ما اعتادوا عليه أو وُعِدوا به في دعاياتهم الترويجية والإستقطابية!
ولأول مرة يشعرون بل يواجهون فيها أخطاراً مُحْدقةً بهم ويخافون على أرواحهم بهذه الطريقة الجماعية وتستمرّ هذه الحالُ لفترةٍ زمنية طويلة وهم المعروف عنهم شدة الخوف «وإصابات الهلع».
ولأول مرة تتحرك فيها مناطق محتلة على كلّ مساحة الوطن الفلسطيني ودفعة واحدة ليس في غزة والضفة الغربية فقط بل في حيفا ويافا والقدس ونابلس وعكا وسائر تواجد أماكنهم والتي كانت تُعتبر عند العدو أنها ساقطة ليس عسكرياً فحسب بل اجتماعياً وأمنياً حتى قيل عن أهلها إنهم «عرب إسرائيل» وهم في الحقيقة فلسطينيون عرب أصحاب الأرض وأبناؤها ومالكوها ولا نِسبة لهم لا من قريب ولا من بعيد لدولة الاستعمار الدخيلة.
ولأول مرة يشعر الغرب والراعون لهذه الغُدة السرطانية والكيان الإستعماري بضعفهِ وعدم قدرته على إتخاذ خطوة مبادرة أو قرارٍ يُنْجيه من ورطته.
ولأول مرة يخوض هذا الكيان حرباً حقيقيةً ليست محدودةً بزمنٍ أراده أو خطَّط له كما اعتاد عليه.
ولأول مرة منذ انطلاق قطار التطبيع مع السادات إذْ به يتوقف من دون أن يكون له مستقبل واضح.
كما رأينا في الأيام السابقة كيف أن مُدناً عربيةً وإسلاميةً في كافة أرجاء المعمورة استعادت قضية فلسطين إلى وجدانها من جديد.
ولعبت وسائل التواصل دوراً هاماً في ما وصلنا إليه.
إنّ ما يجري على أرض فلسطين فضح كبرياء الجيش «الإسرائيلي» وجبروته من جهة وَعَرَّاهُ أمام الذين أمِلوا أن يَثِقوا به لحمايتهم من جهةٍ أخرى ولم يعد الكيان هو الواحة الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط كما كان يُصوِّر من جهةٍ ثالثة.
وأيضاً انفضحت الأنظمة العربية المتخاذلة مقابل ما أصبح شائعاً من الحديث عن دور المحور «محور المقاومة» في تسليح وتذخير وتدريب فلسطينيي الداخل.
وبعد كلّ هذا وما قد يحصل في الأيام القليلة المقبلة سوف يعتاد العالم على قواعد ومعطيات جديدة كانت حتى قبل عشرة أيام أشبه بحلم عَصِي التحقق.
ومنها أنّ قصف «تل أبيب» وشلَّ حركة الحياة فيها بات أمراً يُمكن أن يقع عندما يُتَّخذ القرار بذلك، فكيف إذا كان القرار على مستوى المحور الذي تفوق إمكانياته قياساً مع ما يجري اليوم مئات المرات بل آلافه.
ولك أن تتخيّل مثلاً لو تدحرجت كرة الأحداث وانخرط حزب الله في المعركة فكيف سوف يكون حال المستعمرين والمستوردين ومعيشتهم واقتصادهم وأمنهم ومستقبلهم!
نور الأمل وفجر النصر لم يعُدْ حُلُماً.