ماذا بعد غزة؟
} د.وفيق إبراهيم
مدينة غزة أم المعارك خرجت مرفوعة الرأس في أعنف هجوم إسرائيلي استهدفها بكل أنواع الأسلحة لأكثر من أسبوعين.
أثبتت بذلك أن قضية فلسطين لا تموت. وأنها أحيتها بعد تراجع كاد أن يقضي عليها، منهياً هذه القضية الخالدة نحو أزمات صغيرة.
أما اليوم وبعد وقف لإطلاق النار سعت إليها مصر بطلب أميركي تبين أن منظمات غزة من حماس ومثيلاتها أعادوا الاعتبار لهذه القضية بذكاء حادّ استعملوا فيه الصاروخ والرصاص لإعادة القضية الى فلك سياسي هام جداً تحترمه الدول الكبرى في روسيا وأوروبا والصين وسط لامبالاة عربيّة وجدت نفسها مضطرة الى إعادة تأييد القضية خصوصاً في الجزائر وتونس والمغرب، لكن دول الخليج حافظت على إهمالها وتأييدها النسبي.
قضية فلسطين إلى أين اذاً؟
بعد تراجع كبير أعادت غزة إليها أهميتها بشكل تعود لتلقي بأدوارها التاريخية. بما يعني أنها قضية محورية تحتاج الى حل كبير، تتطلب مداخلات أميركية وروسية وعربية عامة.
روسيا وكثير من دول لها الأهميات ذاتها تطرح دولة للفلسطينيين تتشكل من غزة وقضاء القدس كاملاً وقد يشمل اقتطاعات من مناطق في شمالي فلسطين على مقربة من الحدود اللبنانية وهذا أقل الممكن لإيجاد حل ختامي كبير لقضية فلسطين، قد يقتطع أيضاً جزءٌ من صحراء سيناء، اما الدول العربية فتريد اي حل ينزع عنها وزر قضية فلسطين ويبدو ان الرئيس السيسي مستعدّ للقبول بتمرير أي حل يمنح كامل المدن الفلسطينية سابقاً المحاذية لصحراء سيناء وجوارها.
فهل يقتنع الفلسطينيون بهذا الحل؟
هناك تيار فلسطينيّ مكافح يرى في هذا النمط من الحلول وسيلة تدريجيّة قد تؤدي في اوقات قريبة من سقوط الدولة الإسرائيلية وارتفاع فلسطين التاريخية التي كانت تشكل جزءاً من سورية ولا تزال.
فبلاد الشام بما كانت تضمّه من سورية الحالية ولبنان والأردن وفلسطين المحتلة وقسم من صحراء سيناء يعترف خبراء من التاريخ السياسي أنها كانت تصل الى قناة السويس.
لذلك يبدو الاستعماران الفرنسيّ والإنجليزي بأنه هو الوحيد الذي استوعب الأهمية السورية للمنطقة وعمل فيها تقسيماً وتهشيماً حتى حوّلها من نطاق تاريخي أساسي الى مجموعة دويلات تبحث عن دورها التاريخي وسط زحام الدول الكبرى، وهذه الأخيرة ارتاحت من أهمية سورية الكبرى بالاشتراك مع تركيا، وكثير من دويلات عربية في الأردن ولبنان والخليج التي نزعت عنها وزر سوري تاريخي له أحلام الكبار وإمكانات جرى تقسيمها الى ما نحن عليه من ضعف وتراجعات.
لقد أخطأ القائد الراحل ياسر عرفات عندما أطلق في السبعينيات حركة فتح بالتركيز على فلسطينيّتها متغافلاً عن سوريتها.
وكذلك فعل خلفاؤه الذين التصقوا بتلك الصفة الفلسطينية التي لا ينكرها أحد لكنها لا تلغي قط سوريتها الأبدية.
إن قضية فلسطين بعد نجاحها من العدوان الاسرائيلي الكبير اعترفت بأهميّة سورية وأعطتها الدور الأساسي في عملية الإنقاذ الأخيرة، وركزت على بعد سوري لقضية فلسطين.
إلا أن الواجب يقتضي إعادة بناء ثقافة سياسية لقضية فلسطين تجعلها موائمة لسورية في السراء والضراء الى جانب علاقات الأخيرة التي تربطها بالأردن ولبنان على أن تعمّق من سوريتها وعروبتها، وهذه صفات قوية جوهرية تبيح للفلسطينيين استجلاب تأييد العالم العربي من المغرب وحتى مصر الى بلاد الشام والخليج والعراق، وبذلك تستدرج العالم الإسلامي بدوره الى حلف حديدي غير قابل للاختراق بأي تعاون مع العدو، وتبعد عنها بالتالي كل أنواع الضغوط الأميركية والأوروبية والقوة الإسرائيلية المسلحة والتراجع الخليجي، والركاكة المصرية.
هذه هي الطريق الوحيدة التي يحافظ الفلسطينيون فيها على فلسطينهم معاودين إنتاج بلاد الشام كرأس هرم عالم عربي قابل لقتال “اسرائيل” والتطور الاقتصادي والعلمي.