الجلسة النيابية لمناقشة رسالة عون ثبّتت الطلاق الخلعي بين بعبدا وبيت الوسط
} علي بدر الدين
قنبلة تأليف الحكومة الموقوتة التي تبرّأت منها الطبقة السياسية والمالية الحاكمة، وتحاشتها وابتعدت عنها، حتى لا تنفجر بوجهها وتتشظى منها، تكلفت في تفجيرها، الجلسة النيابية لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى مجلس النواب التي تتعلق بتأليف الحكومة وأسباب تأخيره. هذه الجلسة بمضمونها وشكلها والغاية منها، كانت بمثابة «القشة التي قصمت ظهر البعير»، أو في أحسن الأحوال، أطلقت رصاصة الرحمة الاستباقية على مشهدية الحكومة قبل اكتمال ولادتها، لأنّ «الضرب في الميت حرام»، خاصة أنّ الحكومة الموعود تشكيلها، ولو بعد مخاضات عسيرة، تمّ تفخيخها منذ ما قبل تكليف سعد الحريري لتأليفها، رغم الثقة التي حظي بها من مجلس النواب، والتي أوحت انّ طريق التأليف سالكة ومسهّلة من معظم أفرقاء السلطة، حتى بلوغ الهدف المنشود لمقتضيات الحاجة والضرورة لوجود حكومة مواجهة أو مهمة أو تحت أيّ عنوان أو مسمّى، غير أنّ الرياح لم تجر كما اشتهى ورغب البعض، حيث تعدّدت الاجتهادات، وتنوّعت المطالب والشروط على قاعدة التحاصص وتقاسم «جبنة» الحكومة التي لم تولد بعد، وقد دارت «المعارك» السياسية وزادت حماوة السجالات حول حصة كلّ فريق في الحجم ونوعية الحقائب والأسماء ومن يسمّي الوزراء المسيحيين والمسلمين، كلها تحت شعارات وعناوين وحقوق طائفية ومذهبية، للتغطية والتزوير وتعبئة البيئات الحاضنة وتحريكها عند الضرورة.
رسالة رئيس الجمهورية، حق دستوري يلجأ إليه أيّ رئيس عند اشتداد الأزمات والمشكلات الكبرى في أيّ ملف، وأزمة تأليف الحكومة بلغت حداً من التعقيدات التي لا تعدّ ولا تحصى ولا يمكن لأيّ قوة سياسية وطائفية فكفكتها وإزالة الألغام من أمام عربتها حتى دولة عظمى كفرنسا، عجزت عن إقناع الطبقة السياسية والمالية والسلطوية الحاكمة والمسيطرة على كلّ صغيرة وكبيرة في هذا البلد من حلحلة العقد والتخلي عن بعض الشروط والحصص والامتيازات لتسهيل عملية التأليف، خاصة أنّ لبنان بات على فوهة بركان قد ينفجر في أية لحظة وأوّل ما يصيب الرؤوس الحاكمة الحامية، والضرر الأكبر سيصيب الشعب اللبناني الذي لطالما دفع الأثمان الباهظة، جراء سياسة الفساد والمحاصصة والإهمال وعدم المسؤولية من حكام لبنان، الذين بعد ان أغرقوا البلاد والعباد في الفوضى والفقر والمجاعة والبطالة والذلّ، تحوّلوا الى كوكب آخر يمارسون من خلاله ساديّتهم وينتجون موادّ خلافية وهمية للهروب من كوكب الوطن والدولة والشعب والمؤسسات، بعد أن حوّلوه إلى «جهنّم» و»بئس المصير» عن سابق إصرارهم وتصميمهم، ومن بعدهم فليكن الحريق والغريق والطوفان و»ما ينبت حشيش».
رسالة الرئيس إلى مجلس النواب، قد تكون مطلوبة، ومحقة، ولكنها بنظر الشعب، ونظراً للواقع الكارثي المأساوي الأخطر في تاريخ لبنان الذي يمرّ به على كلّ الصعد والمستويات والقطاعات لم تكن في توقيتها ولا من الأولويات، التي تستحق النقاش والمساءلة والمحاسبة، ومن أهمّها معالجة الاقتصاد المنهار والمالية المفلسة والأوضاع الاجتماعية والمعيشية، التي تنذر بالشرّ المستطير، ولأنّ مناقشتها في مجلس النواب لن تجدي لأنّ كلّ فريق سياسي متمترس خلف مصالحه وسياسته الضيقة والمغلقة، وينفذ أجنداته الداخلية والخارجية، ولن تنتج الكتل النيابية سوى العقم والجدل والعدم والكلام الذي «لا بيودي ولا بيجيب».
في الوقائع، انّ كلمتي سعد الحريري وجبران باسيل وما تضمّنتاه من مفردات ومصطلحات، عقدتا المشهد وأظهرتا أنّ الأمور مقفلة إلى حدّ القول إنّ الحكومة المنشودة قد لا تبصر النور في هذا العهد، وكأنّ هذه الجلسة عقدت لإعلان النعي الرسمي للمساعي والاتصالات والمبادرات على مستويي الداخل والخارج، لأنّ من يريد ويحرص على تسهيل طريق التأليف، لا يرفع من سقف خطابه السياسي، ولا يصعّد في مواقفه، بل يتحلى بالهدوء والموضوعية وتغليب مصلحة الوطن والناس والدولة على مصالحه الخاصة والعامة.
ما حصل في الجلسة النيابية، هو بمثابة طلاق خلعي لا رجوع عنه، إلا بعد تنفيذ شروط معقدة جداً، ليس في وارد أن يلتزم بها أحد من الأفرقاء الذين أثبتوا عجزهم عن تنفيذ الأقلّ منها، والتي أنتجت تداعيات وأزمات وتعقيدات، عصية على المعالجة والحلّ وفي مقدّمها طيّ ملف التأليف حتى إشعار آخر.
كما أنّ التهديد باللجوء إلى استقالة جماعية لكتلة «لبنان القوي» من مجلس النواب، ليس مخرجاً مثالياً من الأزمة، بل يشكل هروباً إلى الامام، ليس وقته في هذه المرحلة الملتهبة التي تكوي نارها اللبنانيين.
هذه الجلسة التي لم يعوّل عليها أحد، إلى أيّ طبقة انتمى، أعطت نتائج عكسية، وبدلاّ من تضييق هوّة الخلافات وتخفيف الشروط المتبادلة، وإفساح المجال لمزيد من المشاورات والتفاهمات التي قد تشعل «نار الغيرة» فإنها أشعلت الخطوط والجبهات السياسية والطائفية التي تقاذفها الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر نيابة وبالأصالة، والغاية منها كانت فتح العيون على الخطر المحدق، لكنها بدلاً من» تكحيلها أعمتها» وأطفأت نور الأمل منها، رغم محاولات رئيس مجلس النواب نبيه بري لإعادة تشغيل المحركات من دون جدوى، من خلال بيان مقتضب مستوفٍ لكلّ شروط الحكمة والتهدئة والتوازن، وتثبيثه لما هو قائم، لإطلاق صفارة الانطلاق مجدّداً، لكن على من يقرأ مزاميره؟