25 أيار 2000 بداية تاريخ جديد
ربما لم ينتبه بعض اللبنانيين، بمعزل عن مواقفهم المختلفة من المقاومة كخيار ومشروع، إلى أن ما حدث في بلدهم يوم الخامس والعشرين من أيار عام ألفين، كان تغييراً أكبر من حجم قدرتهم على الإدراك، ويفوق طاقة حياتهم السياسية على استيعاب تردداته، وتوظيف نتائجه، فقد كتبوا بما فعلوه في ذلك اليوم صفحة جديدة من تاريخ المنطقة وعبرها من تاريخ العالم، ستجعل هذا اليوم موازياً بأهميته ليوم 15 أيار 1948، مع إعلان كيان الاحتلال في فلسطين وما تركه من تداعيات وترددات.
أراد العقلانيون في كيان الاحتلال خفض حجم تأثير هذا اليوم بجعله موازياً لـ 4 حزيران 67، بالقول إنه يوم يستعيد فيه العرب أرضاً محتلة من كيانهم رغماً عنه رداً على احتلاله أراضيهم رغماً عنهم، وأنه يوم أثبت فيه العرب عبر أضعف دولهم امتلاكهم وصفة تحقق التوازن بوجه تفوق الكيان عسكرياً عليهم، لكن هؤلاء العقلانيين كانوا يبدون بين السطور مخاوفهم من أن يتحول 25 أيار 2000 الى بداية زلزال يضعه في موازاة يوم إعلان كيانهم، بفتحه مسار هزائم متلاحقة لكيانهم تعيد وضع وجوده على الطاولة.
تقول وقائع المنطقة، بما لها من تأثيرات على ما هو أبعد منها، منذ 25 ايار 2000 ان كل الأحداث الكبرى التي شهدناها كانت في بعض منها ترتبط ارتباطاً عضوياً بما جرى في هذا اليوم، فالحروب الأميركية التي شنت منذ عام 2001 وكان غزو العراق عام 2003 أبرزها حَكَمتها أسباب كثيرة، لكن في خلفيتها كان حاضراً فشل كيان الاحتلال بلعب دور الشرطي القادر على القيام بكل المهام العسكرية المطلوبة في المنطقة، والانسحاب من غزة جاء تتويجاً لمسار مشابه للمسار الذي شهدناه في لبنان وتوّجه 25 أيار 2000، وحرب تموز 2006 ومن بعدها حروب غزة المتلاحقة في 2008 و2012 و2014 كانت محاولات متكرّرة لاستعادة ميزان الردع الذي اختل منذ 25 أيار 2000، والحرب على سورية الممتدة منذ عشرة أعوام والتي لها كثير من الأسباب تقف في خلفيتها الآمال والرهانات على فتح مسار معاكس للذي بدأ في 25 ايار 2000.
اليوم والعالم يعيش ترددات الجولة الأولى من حرب الاستقلال الفلسطينية، بعدما وضع الفلسطينيون قضيتهم أمام العالم مجدداً بقوة مقاومتهم وصمودهم وبسالتهم، ويصير يوم 15 أيار 48 الذي ضاعت احتفالات إحيائه في حمى أيام الحرب، يحتفل لبنان بيومهم التاريخي في 25 أيار، فهل فهموا حجم ما فعله أبناؤهم واخوتهم في ذلك اليوم، وأية مكانة منحوها لبلدهم فيما تتم إعادة رسم صورة المنطقة على ما يشبه ما أنجزته مقاومتهم في ذلك اليوم؟