مجلس النواب ناقش رسالة عون: لمضيّ الرئيس المكلّف قدُماً للوصول سريعاً لتشكيل حكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية
خلُص مجلس النواب في ختام مناقشته رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المتعلقة بتأليف الحكومة، إلى تأكيد ضرورة المضي قدماً وفق الأصول الدستورية، من قبل الرئيس المكلّف تأليف الحكومة سعد الحريري للوصول سريعاً إلى تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية.
وكان المجلس التأم أول من أمس في قصر الأونيسكو برئاسة الرئيس نبيه برّي لمناقشة رسالة عون. وقال برّي في مستهل الجلسة “ونحن ما نحن فيه. لا بدّ من أن ننهض ونفرح بما هو لنا وإلينا: من نصر لفلسطين بمقاومة غزّة هاشم، وقدسها وشيخ جراحها. وذكرى مجيدة لمقاومتنا التي تجسد عيد تحرير في 25 أيار. فكيف لهذا العلى أن يطفأ في بلد الإشعاع؟ أما آن لهذا اللبنان أن يكون بمستوى أبنائه؟ الوحدة ثم الوحدة أيها الإخوة وإلاّ ستذهب ريحنا”.
ثم تحدث رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، فرأى أن “الدوافع التي حفزت فخامة رئيس الجمهورية لتوجيه رسالته إلى مجلسكم الكريم معروفة. ومعروفة أيضاً العوائق التي تؤخر، إن لم نقل تعطّل، تشكيل الحكومة. ومعروفة كذلك اتجاهات الضغط الإقليمي والدولي الإيجابية والسلبية التي تؤثر في توفير المناخات المؤاتية أو عكسها، وأوضحت تماماً وضعية الكيمياء بين المعنيين، أشخاصاً واتجاهات”.
أضاف “بالنسبة إلى واقع التأليف وعدم تشكيل الحكومة، النص الدستوري الوارد في الفقرة 2 من المادة 64، أو في الفقرة 4 من المادة 53، يؤكد أن الاتفاق بين دولة الرئيس المكلّف وفخامة رئيس الجمهورية، هو أصل يصدر عنه مرسوم تشكيل الحكومة وأن توقيعهما معاً على مرسوم التشكيل هو فرع لذلك الأصل”.
وتابع “ما لا يُدرك كلّه الآن، لا يُترك جلّه. في الأزمات ليس متاحاً أن يحصل طرف على كل ما يريد، وليس مطالباً في المقابل بأن يتخلّى طرف عن كل ما يريد، يمكن تشخيص الحدّ الأدنى المطلوب لسير الحكومة خلال هذه المرحلة، فنتفاهم على ذلك ونتفق عليه. نصر على تنظيم الاختلاف إزاء ما لا نتوفق الآن للتفاهم عليه. الأولويات المتفق عليها وتحتاجها البلاد، شاخصة ومحدّدة وتكفي لعمل حكومة إلى مدى زمني، يتسع لإجراء الاستحقاق الانتخابي المقبل وإنهائه”. وحثّ على وجوب الإسراع في تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد.
بدوره اعتبر النائب جميل السيّد أن “تأليف الحكومة يرتبط بدور مشترط بين الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية”. وقال “علاقتنا كمجلس نواب في ما يتعلق بالحكومة، كانت أولاً الاستشارات ثم المشاورات التي أقامها الرئيس المكلّف مع النواب وثالثاً الثقة أو عدمها. ولما كان الرئيس المكلف نائباً، لما كان بيننا، ونص الرسالة لا علاقة للمجلس به ولا صفة دستورية لنتعامل معها، انطلاقاً من ذلك فخامة الرئيس شكا إلينا موظفاً”.
وإذ رأى “أننا لسنا فقط في أزمة مع رئيس مكلّف ورئيس جمهورية. نحن في أزمة نظام وأزمة معيشة. نحن كمجلس إدارة لهذا البلد فاشلون وفي حال إفلاس على مستوى السلطة وغير قادرين على فعل شيء إلاّ الهروب الى الأمام”، مقترحاً أن “يقوم المجلس خلال شهر بإقرار قانون انتخاب ويحلّ مجلس النواب نفسه وتدعو الحكومة الحالية إلى إجراء انتخابات وأن يبادر رئيس الجمهورية إلى الاستقالة عند انتهاء الانتخابات، وبهذا التسلسل نكون سبقنا الثورة”.
ورأى أمين سرّ كتلة “اللقاء الديمقراطي” النائب هادي أبو الحسن “أن لا حلّ للخروج من الأزمة الراهنة إلاّ بالواقعية، التي تفترض إعادة النقاش الهادئ والموضوعي سريعاً بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، بهدف تشكيل حكومة مهمة متوازنة، بعيداً من أي معادلات قد تقوّض أداءها أو تعطّل عملها مستقبلاً، وهذا يتطلب تسوية وفق صيغة ممكنة ومقبولة، وإن قاعدة الـ24 وزيراً هي برأينا الصيغة الأفضل والأكثر توازناً اليوم ومن دون ثلث معطّل”.
واعتبر الأمين العام لـ”التنظيم الشعبي الناصري” النائب أسامة سعد، أن “القضية سياسية قبل أن تكون دستورية أو قانونية». وأضاف “ليست المرة الأولى التي يقع فيها لبنان في أزمة سياسية أو أزمة حكم أو تشكيل حكومة، غير أن هذه المرّة الأزمة مستحكمة وتكاد أن تكون غير قابلة للحل”. وقال “لمجلس النواب دور بما تبقى له من ولاية أراه واجباً وممكناً، يفسح بالمجال أمام حل وطني سلمي وآمن للانتقال من واقع الأزمات المستحكمة إلى واقع سياسي جديد تتصارع فيه الأفكار والبرامج عوضاً عن الصراعات والمحاصصات الطائفية والمذهبية حول النفوذ وحول المغانم».
وتابع “أدرك موازين القوى وأدرك ما هو ممكن وما هو غير ممكن، ومع ذلك أتطلع إلى مسار انقاذي انتقالي وطني يدفع به المجلس ويشرف عليه، ويحدّد وظائفه ومدته ويؤسس لواقع سياسي جديد قائم على برامج تتصارع ديمقراطياً وعلى احترام قيم العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية واستقلال القضاء، والحريات العامة، ومعايير الكفاءة، ونقاش موضوعي ديمقراطي هادئ للملفات الإستراتيجية الحساسة، عندها فقط نكون دولة تنتمي إلى عصرها”.
وختم متوجهاً إلى برّي “أخيراً لو تُخصّص يا دولة الرئيس جلسات عامة لمناقشة هذه الأفكار وغيرها من الأفكار، لنصل إلى توافقات وطنية لنبني دولة مدنية حديثة، غير ذلك فإننا نتدحرج من مآزق الى مآزق أخرى أشد وأدهى”.
ورأى النائب جهاد الصمد أن “الدستور لم ينص على صلاحية لتفسير الدستور، فجلسة اليوم لن تسمح لنا بتفسيره”. وختم “أناشد الرئيس الخروج من سياسة النكد والتلطي خلف الصلاحيات وليتحمّل كل مسؤول مسسؤوليته”.
أما النائب جورج عدوان، فرأى أن “الحل اليوم يكون بانتخابات نيابية مبكرة لتغيير الأكثرية الحاكمة وأي حل آخر ليس إلاّ مضيعة للوقت”.
كما تحدث النائب طوني فرنجية، فحيّا “المقاومة المنتصرة في فلسطين والتي أدخلتنا مرحلة جديدة من الصراع مع الكيان الصهيوني”. وقال “أمام ما نشهده من تشنجات في البلد، أدعو الإخوة الى وقفة وجدان والابتعاد عن المناورات والمناوشات السياسية التي تزيد الأمور تعقيداً، ونطلب من الأفرقاء المعنيين الترفّع عن الحسابات الشخصية والتحلّي بمسسؤولية وطنية للعبور إلى حكومة تواكب هموم المواطنين والتفاهمات في المنطقة، إذ بتنا ندخل في لون شعر الوزير”.
وختم “لا وقت لتفسير الدستور، وأكثر فريق يدعو إلى ذلك سيكون أكبر الخاسرين. الشعب يجوع، وهم سيأخذوننا من الطائفية إلى المذهبية وإلى وزير استقال والى وزير آخر، المهم أن نتحلى بمسؤولية وطنية”.
ثم تحدث رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل، فقال إن “الاولوية من كلمته هي حث رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على التشكيل، وليس سحب التكليف منه، والهدف هو الإسراع بتشكيل حكومة لتنفيذ إصلاحات”.
وتابع “الأزمة يمكن أن تكون أزمة نظام ودستور، وهذا الأمر لا يمكن أن يحله الحريري وحده أو رئيس الجمهورية، أو أي كتلة نيابية وحدها”، مشدّداً على أن “الأزمة تحتاج إلى مجلس النواب مجتمعاً، بكتاب من رئيس الجمهورية، وهو باستطاعته أن يقوم بشيء”.
وأكد أن “تأليف الحكومة له منهجية وسيخضع للميثاق، حيث لا يمكن لأحد إقصاء طائفة عن هذه العملية، ولا يمكن لطائفة احتكار تأليف الحكومة. وبمجرد أن رئيس الجمهورية لديه توقيع يضعه على مرسوم التكليف، بالتالي أي تفصيل في التأليف يخضع لموافقته، وهو ليس موثقاً لعملية تشكيل الحكومة ولا مصدراً لمرسومها”.
ولفت إلى أنه “لا يمكن اتهامنا بالثلث المعطّل، وقد قلنا إننا لا نريده، ورئيس الجمهورية قال منذ البداية إننا لا نريد الثلث المعطّل في حكومة اختصاصيين”، موضحاً “أننا سندعم الحكومة بكل خطوة إصلاحية ولا نعطّل التأليف إذ أن من مصلحتنا تأليف حكومة منتجة، ولا أعلم ما نستطيع فعله أكثر لتشكيل الحكومة”. وأشار إلى أن “دستورنا لا يضع المهل، وهذه مشكلة، ويجب تطوير الدستور من هذه الناحية للمحافظة عليه، وتقدمنا ككتل باقتراح تعديل دستوري متوازن ومنطقي».
وبعد كلمة باسيل، ردّ فرنجية “علينا أن نرطّب الأجواء، ولكن هناك كلام لا يمكن أن يمر مرور الكرام، معنا نواب يمثلون البقاع وجزين وكسروان وكل المناطق وكسروان قلب الموارنة، وأنا أمثل زغرتا ولا أحد يربحنا جميلة”.
ثم ألقى الحريري كلمة قال فيها “في الشكل، نحن أمام رئيس للجمهورية يمارس حقاً دستورياً في توجيه رسالة للمجلس النيابي، يطلب منه مناقشتها واتخاذ ما يراه مناسباً بشأنها. لكن في الحقيقة، نحن أمام رئيس للجمهورية يقول للنواب: سمّيتم رئيساً للحكومة، أنا لا أريده، ولن أسمح له بتشكيل حكومة، تفضلوا وخلصوني منه!”.
واضاف “أعلم أننا قرأنا جميعاً أن هذه الرسالة تهدف إلى تبرئة ذمة فخامة الرئيس من تهمة عرقلة تشكيل الحكومة، شأنها شأن الرسائل المترجمة إلى لغات عدّة والموجهة إلى عواصم أجنبية، لحماية بعض الحاشية والمحيطين والفريق السياسي من عقوبات يلوّح بها الاتحاد الأوروبي مجتمعاً أو الدول كل على انفراد. لكن الحقيقة أبعد من ذلك التفصيل، والحقيقة ليست في الشكل بل في الأساس”.
واتهم الحريري رئيس الجمهورية بأنه “يريد منّا تعديل الدستور. فإذا لم نفعل، يريد تغيير الدستور بالممارسة من دون تعديل، وبانتظار أن يكون له ما يريد، يعطّل الدستور، ويعطّل الحياة السياسية في البلاد، والأخطر من ذلك، يعطّل أي أمل أمام اللبنانيين بوقف الانهيار المريع الذي يعيشونه جميعاً”.
وتابع “لن أشكّل الحكومة كما يريدها فريق فخامة الرئيس، ولا كما يريدها أي فريق سياسي بعينه. لن أشكل الحكومة إلاّ كما يريدها وقف الانهيار”، معتبراً أن “المجتمع الدولي لن يساهم بقرش واحد في وقف الانهيار ومنع الانفجار، طالما لم تشكل حكومة خارج معايير الاستزلام السابقة، وعلى أساس معايير الاختصاص والكفاءة والنزاهة، الضامنة وحدها لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة والضرورية في آن معاً”.
وبعد أن انتهى الحريري من إلقاء كلمته، طلب النائب حكمت ديب الكلام بالنظام، مطالباً بـ”شطب كلمة أزلام التي قالها الرئيس الحريري”، معتبراً أن “هذا الكلام غير مقبول من أناس محترمين، فكلمة أزلام ما بتسوى”. فرد برّي “هو لم يسمِّ”. وتابع ديب “معيب أن يصدر هذا الأمر عن مسؤول لبناني، الرجاء شطبها من محضر الجلسة”.
وخلُصت الجلسة النيابية إلى إصدار موقف تلاه الرئيس برّي، وجاء فيه “بعد الاستماع إلى رسالة فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حول مسألة تشكيل الحكومة الجديدة، وبعد النقاش حولها وفق المادة 145 من النظام الداخلي، اتخذ المجلس النيابي الموقف التالي:
استناداً إلى النص الدستوري حول أصول تكليف رئيس لتشكيل الحكومة وطريقة التشكيل وفق المادة 53 من الدستور ولما لم يرد أي نص دستوري آخر حول مسار هذا التكليف واتخاذ موقف منه، وبما أن فخامة رئيس الجمهورية قد قام باستشارات ملزمة وفق ما ورد وبعد إطلاعه رئيس المجلس النيابي أتت نتيجتها تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة.
وباعتبار أن أي موقف يطال هذا التكليف وحدوده يتطلب تعديلاً دستورياً ولسنا بصدده اليوم. ولأن مقدمة رسالة فخامته تشير بوضوح إلى فصل السلطات وتعاونها وحتى لا تطغى سلطة على أخرى. ولحرص المجلس على عدم الدخول في أزمات ميثاقية ودستورية جديدة، وحرصاً على الاستقرار في مرحلة معقدة وخطيرة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً تستوجب إعطاء الأولوية لعمل المؤسسات. يؤكد المجلس ضرورة المضي قدماً وفق الأصول الدستورية من قبل رئيس الحكومة المكلّف للوصول سريعاً إلى تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية”.