الكاردينال الراعي في مواجهة صراعات داخليّة خطيرة
} د.وفيق إبراهيم
يتمرّد الكاردينال المارونيّ بطرس الراعي كالعادة على حيادية رجال الدين مصراً على الانخراط في مواقف تضع الكنيسة المارونية في قلب النزاعات الأساسية التي تجعله مؤيداً للسياسات الفرنسية الأميركيّة، وصنيعة سياسية داخلية فيه هيمنة مارونية شبيهة بمرحلة 1920.
كذلك فإنه لا ينسى قط عداءه للأحزاب القومية (السورية والعربية) ومثيلاتها، ورفضه أي تقارب مع سورية وإيران وحزب الله.
هذه مواقف يتمسك بها الراعي معتقداً ان الزمن السياسي في لبنان لم يتغيّر، وبذلك يمكن له الإمساك بحزب القوات اللبنانية التابع لسمير جعجع والكتائب ومرتكزاً على السياسات الفرنسيّة والأميركيّة.
إلا أنّ أخطر ما زال يتمسك به هو إصراره على طرد النازحين السوريين من لبنان مقابل تقارب مع محاولات إسرائيلية لديها القدرة على التسلل الى الداخل اللبناني عبر أمثال القوات اللبنانية وأحزاب مشابهة لها، وكذلك عبر الصراع السنيّ الشيعيّ الذي يرتدي أشكال صراعات دينية بين دور إفتاء أو قتال سوري – إيراني من جهة وإسرائيلي من جهة ثانية تحمله الأدوار الأميركية العالمية الى مختلف الشرق الاوسط.
الكاردينال الراعي موجود اذاً في قلب النزاعات الفرنسية – الأميركية والدور الروسيّ، متقرّباً من بناءات سعودية – خليجية تحاول تأسيس حلف كبير يربط الخليج بالأردن و»إسرائيل» ومصر مقابل الحلف الناهض السوري الإيراني مع حزب الله وهو بناء قوي جداً له اساساته المتمكنة في محور بلاد الشام ومنتصباً في وجه «إسرائيل» وحلفائها.
فهل يستطيع الكاردينال دفع لبنانه الخاص نحو صيغة جديدة لـ 1920؟
يحاول الراعي إعادة ضبط الحزبية المسيحية وتوجيهها نحو صدام مع الأحزاب الوطنية.
أليس هذا ما فعله بمحاولة اختلاق صدام بين القوات وبين القوميين الاجتماعيين؟ وفعل مثله عبر تأييد الصدامات بين مواطنين مسيحيين مدنيين وحزبيين مع مواطنين سوريين كانوا ينتقلون في شوارع المناطق المسيحية لانتخاب رئيس لبلادهم عبر المناطق الجبلية. وكاد أن يتسبّب بصراعات مفتوحة بين القوات الجعجعية والمواطنين السوريين الى ان انتهى بكيل شتائم للسوريين المدنيين داعياً الى طردهم نحو سورية.
كما يحاول الكاردينال إعادة الدفع بصيغة سياسية تشبه صيغة 1920 وهو العليم بعمق أن هذا أصبح من المستحيلات.
لكنه يحاول وبعنف الاستعانة بالطرفين الأميركي – الفرنسي نحو إعادة إحياء الصيغ الفاشلة بالتعاون مع الطرف السعودي – الخليجي، وذلك عبر تشكيل تحالف جديد يستند الى البطريركية المارونيّة والسعوديّة وذلك بانتفاء زعامة سنية جديدة تقف الى جانب القوات وتلعب دور المتصدّي بعنف للأدوار السورية – الإيرانية.
لذلك بدا الكاردينال شديد العنف في هجومه على الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي وجد فيه صاحب دور يجمع بين إمكانية أداء دور إقليمي وحركة داخلية نشطة، ما استفزه لأنّ هذا الحزب يجمع بين اللبنانية الشديدة الحركة والإطلالة على الدور السوري والفلسطيني وهذا ما يستفزّ الراعي ومعه القوات اللبنانية، ونفراً كبيراً من الأحزاب الطائفية التي ترفض ايّ تقارب مع الجوار السوري – الإيراني وتعاكس أيذ دور لحزب الله.
هذا ما يؤكد أن الكاردينال لا يزال معتقداً أنّ الزمن السياسي اللبناني لم يتغيّر، وذلك على الرغم من كلّ الانتصارات التي أنجزها حزب الله في لبنان وسورية بالتحالف مع الحزب القوميّ وبقية الأحزاب القوميّة ولم يعرف الراعي اليوم أنّ التركيبة السياسية اللبنانية لم تعُد صالحة لإدارة سياسة لبنان في زمن سقطت فيه صيغة 1920 وأصبحت أية صيغة جديدة تحتاج الى أدوار حزبية لقوى لبنانية تكاد تمسك بالأسس اللبنانية الأصلية.
لبنان الجديد اذاً يحتاج الى دور كبير للكنيسة المارونية تؤدي فيه مركز عصبية سياسية ليس لجعجع أي دور كبير فيها، بقدر ما تحتاج لدور كنسيّ بوسعه الاستعانة بالفاتيكان مع نظام تحالفات ماروني مع الطوائف اللبنانية الأخرى وذلك على اساس نظام تعادلي يدفع نحو لبنان جديد وقويّ بوسعه استدراج القوى الأوروبية وسورية وإيران وروسيا وأميركا نحو دعم اقتصاد لبناني قوي يقود لبنان نحو الازدهار والتطور.