الكنيسة المارونيّة بين الحركة الدوليّة والإقليم
} د.وفيق إبراهيم
تتحرّك الكنيسة المارونيّة بين ثلاثة محاور أوروبا وأميركا والخليج، لكنها لم تنجح حتى الآن في تأسيس عصبيّة تجعلها تصطف إلى جانب المحور الخليجيّ في مواجهة سورية وإيران.
يبدو هنا ان الأميركيين يراهنون عليها للحدّ من النفوذين السوري والإيراني في مشروع يضع لها أهمية واسعة في الصراع على الشرق الأوسط.
فهذا الشرق هو أرض النفط والغاز والاستهلاك ويمنح الأميركيين درجة ماليّة في مواجهة الروس ولا يسمح للأوروبيين بالحركة إلا ضمن حدود قليلة.
فما هي علاقة الكنيسة المارونية بهذه الحركة الدولية الأميركية الأبعاد والإقليم النفطي الخليجي؟ وهل يمنح هذا النفط أدواراً للأميركيين تضبط الحركة الروسية والأوروبية في آن معاً؟
بداية لا بأس من الاشارة الى ان الكنيسة المارونية حركة تاريخية لديها من النفوذ القويّ ما يجعلها واحدة من أقوى العصبيات في المنطقة، فلبنان ممسوك بها وبوسعه تأدية دور كبير من خلال ممارسة نفوذ على سورية والارتباط بمصر حالياً والخليج بشكل دائم. ويبدو أن وزارة الخارجية المصرية عاكفة على نسج سبل ارتباط بلبنان من خلال كنيسته المارونيّة.
فيصبح لدينا هذه الكنيسة المارونيّة والكهنوت الدرزي والصعود الشيعي الإيراني والدور السنيّ المرتبط بالخليج من جهة، ودور الإفتاء التقليدية من جهة ثانية.
هناك إذاً قتال عميق بين ثلاثة أنواع من الكهنوت يرتبط بالتالي بثلاثة أنواع من الدول هي إيران ولبنان وفرنسا بخلفية أميركية هي التي تنظم هذه الحرب المستعرة.
فمَن هو القادر على الربح؟
إيران صاعدة بقوة ولديها خلفيات لبنانية لا يُستهان بها، وتستطيع عبر حزب الله نصب أدوار كبيرة في وجه “إسرائيل”، وهذا يعني أنها أصبحت تمتلك دوراً كبيراً يضعها في مقدّم المشهد الإقليمي، خصوصاً أنها أصبحت مستعدة لقتال “اسرائيل” من جهة والخليج من جهة ثانية، وبوسعها فتح علاقات واسعة مع آل سعود لا تقوم على القتال فقط، بل بتنظيم علاقات غير قتالية تجعل من منطقة الخليج أرض سلام.
أما لجهة “إسرائيل” فلا تمتلك القدرة على الإمساك بالخليج، على الرغم من علاقاتها بدولة الإمارات العربية، خصوصاً أن تركيا تناصبها عداء عميقاً تجعل من المحور القطريّ – التركيّ مستعداً لدحر أي دور لها في منطقة الخليج.
فهل تُمسك “إسرائيل” بعلاقات هامة بالخليج؟ لا يبدو أنها ذاهبة نحو هذا المدى إلا اذا أصبحت العلاقات الإيرانية – الأميركية كما تريد “إسرائيل” وتسعى.
لذلك فإن ما هو منتظر هو انفجار العلاقات الإيرانية – الأميركية واستعادة الصين من هذا التفكك وانتقال روسيا إلى تنفيذ أدوار إيرانية هامة في الأجزاء النفطية من الخليج، وهذا امر غير محتمل، لأن الأميركيين لن يسمحوا بأدوار روسية واسعة في شبه جزيرة العرب.
لجهة لبنان، فإن باستطاعة الكنيسة المارونية عبر تيارها الوطني الحر التأسيس على عصبية سياسية – اقتصادية تنفتح على الفرنسيين عبر ضبط أكبر قدر ممكن من حزبي القوات اللبنانية والكتائب ودفع القوة السنية اللبنانية نحو زاوية ضيّقة لا تعاديها السعودية، كما تنسج بالمقابل علاقات مارونيّة شيعيّة تشكل نمط علاقات فرنسيّة – إيرانيّة يرضى عنها الأميركيون.
فإيران في خاتمة المطاف هي نفط وغاز وقدرة هائلة على الاستهلاك وتقدّم علميّ استطاع مؤخراً ارسال قمر صناعي الى القضاء، بما يعني أن إيران تتدحرج نحو الإمساك بالمقدرة العلميّة من خلال التعاون مع الأميركيين والفرنسيين وليس على أساس عدائي لهم.
يكفي ان الأميركيين لا يمانعون بحركة تقدم إيرانية تناصب روسيا العداء وتكافح التقدم العلمي الصيني، فهل هذا يكفي؟ نعم إنه شديد التمكن لأن الإمكانات المادية والعلمية الإيرانية قادرة على امتلاك ما يترك أثراً بليغاً على روسيا والصين.
فهل يتجه هذا العصر الى صراعات أميركيّة روسيّة أوروبيّة إيرانيّة صينيّة؟
يؤكد العلماء أن حركة القرن الحادي والعشرين تدفع نحو هذا النمط من الصراعات وتكون فيه إيران عصباً اساسياً يدور في أفلاك تحالفية لكل من الصين وروسيا وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية وهذا ما تدفع اليه الصراعات في مقبل الأيام.