هل الجيش اللبنانيّ هو البديل؟
} د.وفيق إبراهيم
الصيغة اللبنانية تبحث عن حلول تستردّ بموجبها قوّتها التاريخية، يكفي هنا أن الجيش اللبناني هو الذي أدار البلاد في النصف الأول من القرن العشرين مستمداً قوته من حركته في النصف الأخير من القرن التاسع عشر والدعم الفرنسي – الأميركي الذي منحه كل ما أراده من سطوة مميّزة هي التي أمسكته فعلياً بإدارة البلاد سياسياً واقتصادياً وعسكرياً عبر نظام تحالفات جعلته على مقربة من النظام السياسي السوري.
لا بدّ في هذا المنطلق من الإشارة الى أهمية الجيوش العربية كأدوات ارتأى الغرب انها تجمع بين الدورين السياسي والعسكري، خصوصاً أن هناك غياباً كبيراً للأحزاب التي كانت تعتمد على الأدوار التقليدية وقد تذهب حيناً نحو النموذج الإقطاعي بريادة ضباط فرنسيين يتلقون التعليمات من الإدارة الفرنسية العليا للبلاد.
نحن إذاً وسط سيطرة الجيش الفرنسي على كل المفاصل العسكرية للبلاد، حتى باتت كل من سورية ولبنان خاضعتين تماماً للدور العسكري الفرنسي، لكن سورية تمرّدت على العسكر الفرنسي وقاتلته في ميسلون حيث سقط يوسف العظمة شهيداً، بيد أن لبنان اتكأ على الفرنسيين مستعملاً الجيش اللبناني وسيلة للاندماج بالفرنسيين والإمساك بالبلاد على حساب المسلمين، وكانت هذه من الأخطاء العميقة التي دفع الفرنسيون والمسيحيون أثمانها عدة مرات.
فلا يمكن لجيش لبنانيّ صغير حجماً وفعلاً أن يرمي بثقله على الفرنسيين وصولاً الى الأميركيين علماً ان الصراع الاميركي – الفرنسي من جهة والإيراني السوري من جهة ثانية يدفع باتجاه صراعات عنيفة في لبنان وشرقي الفرات وربما مناطق الشمال السوري.
قائد الجيش جوزيف عون هو إذاً في جولة على بلدان غربية نجمتها البلاد الفرنسية، وذلك في محاولة لايجاد دعم للجيش اللبناني من فرنسا وأميركا وربما انجلتره وبلدان أخرى.
ما يبحث عنه قائد الجيش هو تطوير دور عسكري سياسي للجيش اللبناني ينوب بدلاً من الصيغة السياسية التقليدية التي لم تعد ذات قيمة مع وجود أدوار شيعيّة ومسيحيّة أخرى ودرزيّة وسنيّة.
لذلك فيذهب الجنرال عون الى استعمال الغرب بكل تنوعاته لإيلاء الجيش اللبناني دوراً سياسياً مميزاً يصبح بموجبه قادراً على مشاركة الصيغة السياسية الخاصة بالرئيس ميشال عون أدواراً كافية، ما يؤدي الى ان الرئيس عون مع صيغته السياسية التاريخية وجوزف عون المدعوم من دول الغرب، قوتان اساسيتان بوسعهما تجهيز لبنان ليصبح مساوياً لدور الجيش السوري وقادراً على وضع حد للعدوانية الإسرائيلية.
فهل هذا ممكن؟
تستطيع فرنسا بدعم أميركي – إنجليزي الاعتماد على الجيش اللبناني في وجه «إسرائيل» خصوصاً بعد معركة غزة في سيف القدس، فالجيش اللبناني لا يبحث عن قتال مع اليهود، لكنه يريد قتالاً دفاعياً يجنبه العدوانية الاسرائيلية والدور السوري وقد يسمح له بمناوشة الدور الإيراني.
لكن الحقيقة تكشف أن الممارسات الايرانية والسورية ليست عدوانية على الإطلاق، يكفي أن حزب الله تنظيم مستعد دائماً لمكافحة «إسرائيل» عبر أكثر من وسيلة.
هنا لا بدّ من التأكيد أن حزب الله ليس بوارد فك تحالفه مع إيران، كما يشتهي الحضور العسكري الغربي، إلا أنه على أتم استعداد لإفهام «إسرائيل» عبر الوسائل العسكرية أنها عدوته الفعلية ويستطيع قتالها في مختلف ساحات المنطقة من لبنان إلى سورية وفلسطين والعراق واليمن.
الجيش اللبناني إلى أين؟
يبدو أن هذا الجيش أصبح ملماً بكل أنواع القتال ولا يحتاج إلا إلى أسلحة إضافية تضفي عليه صفة المؤسسة العسكرية المنبثقة من قلب الصراعات السياسية والعسكرية لبلدها.
بما يعني أن هذا الجيش العزيز الجانب مستعدّ لتفهم الأوضاع الداخلية ولديه القدرة على عقد تسويات تجعل منه رمزأً لبنانياً كبيراً يحمي بلده.
فهل يدوم هذا الدور؟
بإمكان الجيش اللبناني التمسك بهذا الدور لأنه يمنحه دوراً تقليدياً يصبح من المتعذّر التخلّي عنه.
وهكذا فإن جيشاً لبنانياً يستطيع منع الفراغين الرئاسي والنيابي ويملأ الأدوار النيابية والرئاسية، بشكل يجري الاتفاق عليه بين الصيغ الرئاسية والنيابية ودور الجيش الأساس الذي قد يحتاج الى دعم سوري هو المطلوب لاستكمال دور هذا الجيش في الصراع مع «إسرائيل».
لذلك فإن فرنسا وأميركا ذاهبتان إلى أدوار عميقة للجيش اللبناني تجعل من لبنان بلداً عميقاً وقادراً على أدوار تقليدية تحمي لبنان من خطر المزايدات ولعبة الصراعات الداخلية غير المفيدة أبداً.