كيان الاحتلال في مواجهة شعوب العالم
– قبل عقود قامت عصابات المستوطنين بأكبر عملية إجراميّة في التاريخ بقتل وتهجير شعب بكامله خارج أرضه، لكنها حظيت بتفهم وحماية شعوب العالم وحكوماتها، فقد كان الإعلام الحكومي المصدر الوحيد للمعلومات، وكان الغرب منخرطاً بقوة الدفاع عن قيام كيان الاحتلال في فلسطين أملاً بدوره المتقدم في مواجهة حركة التحرّر في المنطقة ومنعاً لقيام أي نهضة توحّدها وتحقق استقلالها ومصالحها، ولعب استغلال الهولوكوست او ما عرف بالمحرقة اليهودية للتغطية على كل جرائم المستوطنين وتبرير سيطرتهم على فلسطين.
– خلال العقود الماضية كان هذان العاملان في تراجع مطرد، فقيمة الكيان في خدمة مشاريع الهيمنة كانت تتراجع أمام صعود قوى المقاومة، وسطوة السيطرة على الإعلام ومصادر المعلومات كانت تتراجع هي الأخرى، وخلال هذه العقود كان ثمّة شيء آخر يتراجع أيضاً وهو الصورة المزوّرة التي جرى تعميمها حول الكيان كدولة مدنية متحضرة، يواجه مجموعة من الشعوب المتخلفة الجاهلة الغارقة في بداوة تجمع الجهل والدموية، وتظهر تدريجاً صورة الكان الحقيقيّة حيث واجهة سياسية أنيقة تتقدّم بنية كاملة يحكمها مستوطنون متوحّشون متطرّفون هم نسخة من تنظيم داعش الذي أريد له أن يبدو كنسخة تمثل شعوب المنطقة، بينما برزت أجيال متعلّمة ومنخرطة بالتقنيات والعلوم من الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها متمسكة بهويتها وقد بذلت جهوداً مثابرة على التعريف بهويتها.
– ما يجري اليوم هو انفجار مركب لهذه العناصر، فقد ضاق العالم ذرعاً بكيان المستوطنين وأكاذيبهم وجرائمهم، وسقطت الكثير من أسباب تمسك حكومات الغرب بصورة عمياء للدفاع عنهم، وصارت كلفة هذا الدفاع داخل بلدان الغرب وفي المنطقة أعلى بكثير عن وهم الخدمات التي يمكن للكيان أن يؤديها، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مصادر معلومات خارج نطاق سيطرة الحكومات والمؤسسات الخاضعة لسيطرة لوبيات تحركها المصالح الغربية الداعمة لكيان الاحتلال والاستيطان، ونهض الفلسطينيون بجيل جديد يتقن كيفية خوض معاركه خارج علب الأحزاب والفصائل، وظهرت مقاومة فلسطينية ذكية وشجاعة تعرف كيف تدير معاركها وحروبها وتكشف وهن الكيان وضعفه وتراجعه.
ما يجري اليوم هو تغيير جذريّ في معادلات الصراع تصعب إعادته الى الوراء، وكما في هذه الجولة توازت خسارة الكيان في الميدان مع خسائره في السياسة، وكما وقف عاجزاً عن الاختيار بين مواصلة حرب ميؤوس منها وبين تسويات تقوم على التخلي عن موقع الاستيطان في بنيته وتكوينه، ستحمل كل الجولات المقبلة، المزيد من هذه الخسائر وهذا العجز، وقد تجاوز الفلسطينيون عنق الزجاجة ودخلوا عصر الانتصارات.
التعليق السياسي