رياض سلامة… حين يُذكّرنا بنفسه!؟
} أحمد بهجة*
يُصرّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على أن يُذكّرنا بنفسه دائماً، ليس لشيء بل فقط لكي يستعيد اللبنانيون شريط الوقائع السوداوية التي تسبّب بها هو ومَن معه ومَن يدعمه في الداخل والخارج، طوال ثلاثة عقود من الزمن.
لو أنّ الوضع السياسي في البلد سليم، لكان يجب منذ سنوات أن يتمّ وضع حدّ لظاهرة هذا «الحاكم» الذي وصل به الأمر إلى حدّ أنه بات وكيل تفليسة، رغم أنّ وكيل التفليسة يكون عادة غير الشخص الذي تسبّب بها. لكننا مع الأسف نمرّ بوضع سياسي عقيم لا ينتج أيّ حلّ لأيّ مشكلة أو أزمة تواجه بلدنا وشعبنا.
آخر «الإبداعات» أتت على لسان «الحاكم» نفسه في حديث تلفزيوني قبل أيام، حيث حمّل الحكومة الحالية المستقيلة مسؤولية ما وصلنا إليه، لأنها اتخذت في آذار من العام الماضي القرار بالتوقف عن تسديد سندات اليوروبوندز؟ هذا هو السبب الأول كما قال! وأضاف إليه سبباً ثانياً هو إقفال المصارف لمدة ثلاثة أسابيع مع انطلاقة حراك 17 تشرين الأول 2019.
السبب الثاني فيه شيء من الحقيقة، حيث تمّ خلال تلك الأسابيع الثلاثة تهريب مليارات الدولارات من المصارف إلى الخارج، لكن هذه الحقيقة تتضمّن أيضاً أنّ عمليات التهريب والتحويل تمّت بمعرفة «الحاكم» وربما بإشرافه، وما لا شكّ فيه على الإطلاق أنّ لائحة أسماء الذين هرّبوا أموالهم موجودة لديه وتضمّ بعض أصحاب المصارف والسياسيين والإعلاميين ورجال الدين الذين ما زالوا إلى اليوم يضعون الخطوط الحمر حوله ويوفرون الحماية له.
أما عن السبب الأول فهل يُعقل أن يستخفّ «الحاكم» بعقول الناس إلى هذه الدرجة؟ وقبل ذلك كيف يقبل أن يعرّض نفسه وموقعه الحساس للتهكّم ليس فقط من قبل الناس والإعلام، إنما أيضاً من قبل كلّ العاملين في عالم الاقتصاد والمال والأعمال! سواء من اللبنانيين أو من المهتمّين والمطلعين على أوضاع لبنان منذ ثلاثين سنة حتى اليوم…خصوصاً أنّ «الحاكم» يعرف أنّ ما يقوله غير صحيح ولا يمكن أن يكون صحيحاً؟ ذلك أنّ قرار التوقف عن الدفع اتخذ في أوائل شهر آذار 2020 لأنّ «الاحتياطي من العملات الصعبة كان قد بلغ مستوى حرجاً وخطيراً»، كما قال رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب في كلمته التي أعلن فيها قرار التوقف عن الدفع. علماً أنّ الاستمرار في التسديد لم يكن ليقتصر فقط على الدفعة التي كان يُفترض تسديدها في 9 آذار 2020 والبالغة 1.2 مليار دولار، بل انّ مجمل استحقاقات سندات الخزينة بالعملات الأجنبية في العام 2020 بلغ 4.6 مليارات دولار، إضافة إلى الفوائد المترتبة على هذه الديون.
تخيّلوا كيف كان وضعنا اليوم لو أننا سدّدنا هذه المليارات!
أما الحقيقة التي يعرفها القاصي والداني والتي لن يستطيع «الحاكم» إخفاءها مهما فعل، فهي أنّ سبب ما نحن فيه اليوم وسبب وصول الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية في لبنان إلى هذا الدرك الأسفل، هو سياساته الخاطئة وهندساته و»هلوساته» المالية وإدارته السيئة للمال العام بالتواطؤ مع منظومة سياسية ومصرفية وإعلامية وهيئات روحية… كلّ ذلك باتت موضع شبهات في عدد من دول أوروبا، حيث بدأت تفتح ملفات «الحاكم» وبعض أقربائه ومعاونيه، وبدأت تصل منها مراسلات إلى القضاء اللبناني الذي نأمل أن يقوم بدوره على أكمل وجه بعيداً عن أيّ ضغط مهما كان مصدره، لأنّ الأمر يطال مجموع اللبنانيين، مقيمين ومغتربين، بكلّ مدّخراتهم وكذلك بحاضرهم وبمستقبل أبنائهم.
*خبير مالي واقتصادي