واشنطن تسعى لتفادي الحرب الإقليميّة بحكومة جديدة في الكيان
ناصر قنديل
– عندما يُقدم كيان الاحتلال على وقف النار بينما لا تزال الصواريخ تنهمر على مدنه وبلداته، ويخشى التورّط في حرب بريّة مع غزة، فهذا يعني التسليم بالعجز عن خوض حرب مع قوى المقاومة في غزة، ولا يمكن لأي من التبريرات التي قدّمها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لوقف النار مع مزاعم تحقيق نصر أن تلقى القبول داخل الكيان او على مستوى عواصم الغرب، خصوصاً في واشنطن، فواشنطن كانت على صلة بتفاصيل ما يجري عن قُرب، ووفرت كل التغطية اللازمة لنتنياهو ليحصل على نصف نصر بعد أن تعذّر عليه الحصول على نصر كامل، ومدّدت له المهل بمنع مجلس الأمن من إصدار بيان أو اتخاذ قرار، حتى تثبتت من أن نصف النصر أيضاً بات مستحيلاً، وأن مواصلة الحرب ستجعل هزيمة الكيان كاملة رغم كل القتل والدمار في غزة، الذي كان سبباً لمزيد من الخسائر المعنويّة التي تلحق بالكيان وتطلق بوجهه أضخم حملة تنديد في الرأي العام الغربي والأميركي خصوصاً.
– لم يكن التحرك الأميركي لتسريع وقف النار نابعاً فقط من تقدير حجم الفشل العسكري للكيان وحجم الخسائر المعنوية التي أصابته، بل أيضاً من التقديرات والمعلومات التي تجمّعت لدى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من خطر الانزلاق إلى حرب إقليميّة إذا استمرّ التصعيد سائداً، وتواصلت عمليات القتل والتدمير في غزة، لكن المعضلة التي واجهتها واشنطن تمثلت بالمعادلة التي رسمها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، والتي قالت علناً بأن الحرب الإقليميّة ليست مجرد نتيجة لمواصلة الحرب على غزة، بل هي خيار لدى محور المقاومة وقرار بحال مواصلة الكيان ومستوطنيه اعتداءاتهم على القدس، سواء بتهجير سكانها الأصليين، أو بانتهاك حرمة مقدساتها الإسلامية والمسيحية. وقد تقاطع هذا مع ما حمله وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن الذي سارع إلى المنطقة موفداً من بايدن، لجهة عدم التزام نتنياهو بالاستعداد لمنع المستوطنين من مواصلة التصعيد في القدس والأراضي المحتلة عام 48، ما اضطر بلينكن للتصريح خلال عودته أن وقف الإجراءات العدائية في القدس يشكل شرطاً لمنع عودة التصعيد وانفلات الأمور خارج السيطرة.
– تدرك إدارة بايدن أن نتنياهو لا يشاركها قراءتها للخارطة السياسية في المنطقة، سواء في مقاربتها للملف النووي الإيراني وقرارها بالعودة للاتفاق الموقع عام 2015، أو لجهة اعتقادها بأن كل ما فعلته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في مقاربة القضية الفلسطينية تلبية لطلبات نتنياهو لن يؤدي الى الاستقرار، ولن يسهم بتغيير موازين القوى لصالح الكيان، بل سيذهب بالمنطقة الى مزيد من الاستقطاب الحاد، الذي لا بدّ أن ينتهي الى تفجير، ونظرتها الى هشاشة عمليات التطبيع التي تمّت بين الكيان ودول الخليج والمغرب، ولذلك تدرك واشنطن أنّها تتعاطى مع حكومة غير قابلة للتعاون، رغم حاجتها للحماية، ما يعني أن واشنطن تسلّم قرار الحرب في المنطقة، وخطر تورّطها في هذه الحرب لمن لا يقيم اعتباراً للنظرة الأميركية والمصالح الأميركية إلا بمقدار خدمتها لتطلعاته، ولا يمانع في توريط أميركا بحرب إقليمية لاعتقاده انها ستخلط الأوراق وتمنع هزيمته منفرداً في أية مواجهة، أو سقوطه بالضربة السياسية القاضية داخل الكيان بسبب الفشل.
– واشنطن تحتاج حكومة تعمل على التهدئة بين السكان العرب الأصليين في فلسطين وبين المستوطنين، لتخفيض التوتر ومنع التصعيد، وبالتالي قطع الطريق على اندلاع حرب إقليمية، تدرك واشنطن مخاطرها على الكيان أولاً، وعلى السياسات والمصالح الأميركية تالياً، ولذلك فإن الطريق إلى ذلك هو إقصاء نتنياهو عن رئاسة الحكومة، وعدم تلبية رغبته بالذهاب إلى انتخابات مبكرة للمرة الخامسة. وفي هذا السياق يمكن قراءة نجاح مساعي التقارب بين المكوّنات المتناقضة للكنيست تحت شعار إقصاء نتنياهو، وهو ما لا يمكن تحقيقه بجمع اليمين واليسار إلا بتدخل أميركيّ واضح، وهذا التحول ليس مطلوباً منه بنظر واشنطن فتح الطريق لتسوية شاملة يدرك الأميركيون أنها لا تملك تغطية كافية في داخل الكيان، بل يكفي أن تكون حكومة تهدئة ومنع التصعيد والسير بتسويات جزئية، كفك الحصار عن غزة، ووقف التصعيد في القدس والأراضي المحتلة عام 48، وبدء التفاوض مع السلطة الفلسطينية وفقاً لمعادلة نبدأ بالحد الممكن لتمييع الصراع وفتح مسارات التشويش على خيار المقاومة ثم نبني على النتائج الخطوة التالية.