حين تسقط أخلاقيّة الغرب عند الانتخابات السوريّة…!
د. عدنان منصور*
لم تكن مفاجأة لمتتبع الأحداث التي شهدتها سورية منذ شهر آذار 2011 وحتى اليوم، والحرب القذرة التي فرضت عليها من قبل دول صمّمت على الإطاحة برمز سورية، وما يمثله من مواقف ومبادئ، وما يجسّده من رسالة وطنية وقومية ثابتة، لا تقبل المساومات، ولا الصفقات، ولا المزايدات، أو التخلي عن ثوابت الأمة، وقضاياها، وحقوق شعوبها، وعلى رأسها قضية فلسطين، أو التوقف عن دعم المقاومات التحرّرية في المنطقة وهي في مواجهتها لقوى العدوان والاحتلال الصهيوني للأراضي العربية المحتلة.
لم يكن مستغرباً أيضاً أن تقف دول الهيمنة والتسلط في الغرب وعملاؤها في المنطقة، موقفاً معادياً لترشح رئيس سورية مرة أخرى لرئاسة الجمهورية.
فهذا الموقف العدائيّ الذي اتخذته هذه الدول، ليس إلا استمراراً لسياسات ونهج اتبعته، لإسقاط سورية من خلال رمزها، الذي يشكل عقبة رئيسة في وجه قوى الهيمنة الغربية، وحلفائها وعملائها، في تنفيذ خططها الرامية الى تعزيز نفوذها، وإنهاء حالة الصراع العربي «الإسرائيلي»، وترتيب أوضاع المنطقة من جديد، بعد التخلص من الأنظمة الوطنية، والمقاومات التي تقضّ مضاجع العدو الصهيوني ورعاته في الغرب والإقليم!
كيف يمكن للغرب، أن ينفذ مشاريعه، ويطبّق سياساته على الأرض، وفي سورية قائد لا يلين ولا يستكين، لا يهادن ولا يفرط، لا ينحني ولا يهاب، يعرف ما لسورية وما عليها، وكيف يحفظها ويدافع عنها، ولا يتخلى عن ثوابتها والتزاماتها الوطنية والقومية، حيث قدرها أن تكون قلب الأمة ونبضها، وبوصلتها التي لا تعرف الانحراف أو الضلال، أو الذلّ والخنوع.
إذن، معركة الغرب موجهة مباشرة وبكلّ وقاحة ضدّ الرئيس الذي يجسد ويحمل هذه القيم والمبادئ والمواقف. فلا يهمّ الغرب من يكون رئيس سورية، ما يهمّه هو أن يكون رئيس سورية في خدمة أهداف الغرب وتطلعاته ومشاريعه!
ألم ترتفع الأصوات بعد أسابيع قليلة من اندلاع الأحداث في سورية، تطالب الرئيس الأسد بالتنحّي وتسليم السلطة لقوى المعارضة المسلحة التي فتكت بالبلاد والمؤسسات، وارتكبت الجرائم بحق الدولة والشعب السوري؟!
ألم تقم الجامعة العربية بدولها باتخاذ قرارات معيبة لا تغتفر ضدّ سورية ونظامها، لإرغام رئيسها على التنحي، في الوقت الذي فرضت عليها المقاطعة والعقوبات السياسية والاقتصادية والمالية والتجارية وغيرها؟!
ألم تتطلع تركيا منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأحداث في سورية الى تغيير النظام بأي شكل من الأشكال، وهي التي احتضنت اول مؤتمر للمعارضة السورية في أنطاليا التركية، في شهر حزيران، أيّ بعد ثلاثة أشهر من نشوب الأحداث في سورية، وأظهرت عداءها الفاضح تجاه النظام السوري ورئيسه، حيث تصريحات الزعماء الأتراك كانت تحمل في ثناياها تهديدات، وتطالب الرئيس السوري بالتنحي وتسليم السلطة الى المعارضة؟
ألم يكن موقف تركيا لينسجم ويتوافق مع مواقف دول عربية صبّت في هذا الاتجاه؟! ألم ترتفع أصوات لقادة دول أوروبية استعمرت هذه المنطقة لعقود طويلة، واستبدّت بها، ليطالبوا بتغيير النظام، وتنحّي الرئيس السوري عن السلطة؟
ألم ترتفع أصوات أعضاء داخل لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي يوم 23 حزيران 2011، أي بعد مئة يوم من بداية الأحداث، وهم يناقشون سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران وسورية من خلال مطالعة المدير التنفيذي في «معهد واشنطن للسياسة في الشرق الأدنى»، د. روبرت ساتلوف الذي قدّم للجنة الشؤون الخارجية بناء على طلبها، حيث جاء فيها:
« المسألة هي أكثر من بقاء نظام كان على الدوام مصدر توتر وتهديد واضح للمصالح الأميركية على جبهات عديدة ما يقارب طوال سيطرة عائلة الأسد…
المسألة بالأحرى، هي الفرصة السانحة في توجيه ضربة مؤلمة وربما حاسمة للمحور المعادي للسلام (!!) والغرب، والأنظمة المناهضة لأميركا، والتي تنطلق من إيران، وتمرّ على دمشق، ومن ثم الى بيروت وغزة، مع تطلعات الى التوسع نحو بغداد والخليج وما بعده (…) إنّ مصالح أميركا بالنسبة لسورية واضحة… سيكون لأميركا فائدة كبيرة من سقوط نظام الأسد، ذلك أنّ أيّ نظام يعد نفسه لخلافته لن يتعهد كنظام الأسد في تنفيذ مجموعة واسعة من السياسات الخطرة في زعزعة الاستقرار، وتحقيق برنامج التسلح النووي بطريقة سرية وغير شرعية، وتسليح الميليشيات الإسلامية في لبنان والساحة الفلسطينية، ودعمها وتسهيل الهجمات على القوات الأميركية بواسطة المقاتلين الأجانب في العراق (…) لقد حان الأوان الآن، لأن يُستفاد من هذا التقارب الاستراتيجي بين الأوروبيين والعرب والإسرائيليبن والقادة الأتراك، لاتخاذ الخطوات من أجل تسريع زوال نظام الأسد، وتوظيف الجهود بحكمة في إمكانية ظهور قادة يخلفون النظام القائم في سورية، يشاركون مصالحنا في الأمن والسلام الإقليميين (!!!)».
هذه هي حقيقة الغرب ونياته. إنه لا يريد رئيساً يجسّد آمال وعزة وطن، وطموح وكرامة أمة، بل بريدون رئيساً سورياً تابعاً مأموراً، لا حول ولا قوة ولا قرار له، على شاكلة الحكام في عالمنا العربي الذين تعاملوا معهم على مدى عقود ماضية!
هل عرفنا اليوم لماذا هذا العداء الغربي للنظام السوري ورئيسه؟! وهل عرفنا لماذا يندّدون بالانتخابات التي جرت في سورية، وجدّدت الولاء والبيعة لمن وقف في وجه قوى الهيمنة والإرهاب، وأسقط مشاريعها المدمّرة بحق سورية والأمة؟!
إنه من نكد الدنيا أن نرى مؤجّجي الفتن والفوضى، وداعمي دولة العدوان «الإسرائيلي» وقوى الإرهاب، يندّدون بالانتخابات السورية ونتائجها، ويتباكون على الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي انتهكوها، وعبثوا بها في بلدان أمتنا، على مرأى من العالم كله.
نفاق هؤلاء تجلى بوضوح، برفضهم السافر، لما قرّره منذ أيام مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة في جنيف، في جلسة طارئة له، إطلاق تحقيق دولي حول انتهاكات «إسرائيل» لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ نيسان الماضي. دول صوّتت ضدّ القرار، ودول امتنعت عن التصويت، وهي الدول الملوّثة بتاريخها الاستعماري القبيح الذي يتحدث عنها، التي عرفها العالم بسياساتها العنصرية اللاأخلاقية، والتي تكيل بمكيالين، وتنحاز بتصويتها لجرائم «إسرائيل» وتشجعها، ثم تدّعي التزامها بالديمقراطية وحقوق الإنسان !
إنّ دولة كالولايات المتحدة ما كانت يوماً إلا نصيرة للكيان الصهيوني المحتلّ، عبّرت عن «أسفها الشديد» لقرار مجلس حقوق الإنسان، وهي التي منها يستمدّ الاحتلال «الإسرائيلي» القوة والدعم المتواصل.
وبعد كلّ هذا العهر السياسي، يريدون أن يظهروا غيرتهم على الشعب السوري، ويصدروا حكمهم على عملية الانتخابات ونتائجها وما أسفر عنها!
إنه منطق الاستعمار القديم، ومنطق قوى العدوان والاستغلال والتسلط والاستبداد الجديد، الذي لم يتغيّر ولم يتبدّل!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق.