مرويات قومية

الأمين إلياس صبري عبد المسيح الوجه الحزبي المميّز في مدينة «رأس العين»

} الأمين أنيس مديواية

في وقت سابق، نشرت نبذة غنية عن الأمين إلياس صبري عبد المسيح(1) من مدينة رأس العين، كما أشرت إليه في أكثر من مكان.

كنتُ عرفته شخصياً، وكان يتردّد إليّ كلما زار بيروت. كان قارئاً ممتازاً ويملك مكتبة غنيّة، واسع الإطّلاع، يتمتّع بثقافة عامّة جيدة، وبثقافة قوميّة اجتماعيّة متقدّمة.

أكثر من مرة رغبت إلى حضرة الأمين عبد المسيح طرزي أن يكتب لنا عن مسقط رأسه «رأس العين»، وأن يُغني النبذة عن الأمين إلياس صبري بمعلوماته عنه.

المعلومات الواردة كان رفعها الأمين أنيس حنّا مديواية(2)، الذي نوجّه إليه حيث هو في مدينة القامشلي، تحية محبة وتقدير وأشواق.

ل. ن.

لمحة حزبيّة عن رأس العَين

في عام 1941، كنت كطالب داخلي في كليّة حلب الأميركيّة، والآن اسمها معهد حلب العلمي، وفي عام 1944 تعرّفت على الرفقاء وديع الأشقر(3)، جورج عطية(4) وكامل المقدّم(5)، وكانوا طلاباً داخليين في هذا المعهد، فتشدّدت أواصر المحبة بيننا، فانتميت إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي على يدهم في 12 نيسان 1944، وظلّ نشاطي في الكليّة متعاوناً مع الرفقاء الذين أذكر بعضاً منهم، محمد شبول من الأردن، إدمون كركور(6) من حماة، نجيب خياطة(7) من حلب، وبهيج وأخوه كبرائيل حداد من الحسكة، وكانت المديرية مؤلفة من 18 عضواً لا أذكر أسماءهم بالضبط.

وفي عام 1975 تخرّجت من الكليّة ورجعت إلى بلدتي رأس العين، وهنا باشرت بالنشاط الحزبي وشكّلت مديرية هاني بعل، واستأجرنا داراً للمكتب فكنت المدير، وإلياس منصور الموجود حالياً في كندا ناموساً المديرية، وأنطون كره بيت(8) الموجود حالياً في بيروت مدرّباً وميشيل غبرو محاسباً، وأذكر أسماء بعض الأعضاء منهم أخي صبري، محمد نابلو، عارف صالح، جميل مجيد، جبرائيل عجمو، والحافظ الآن مدير الأوقاف الإسلامية في القامشلي، ونعموم غبرو وجوزيف لبّس، وبلغ عدد الأعضاء 28 عضواً، وبعدما تركت رأس العين في 1951 إلى حلب، صار عدد المنتسبين إلى الحزب حوالى 68، ومن بينهم الأمين عبد المسيح طرزي الموجود حالياً في بيروت.

كنّا مسيطرين على منطقة رأس العين حزبياً، ومحترمين من أهاليها، ولكن عندما قُتل عدنان المالكي العقيد في الجيش السوري في الملعب البلدي بدمشق، اتّهم الحزب بمقتله واشتدّت الاعتقالات على قدم وساق، منهم من اعتقل وتعذّب في غياهب السجون، ومنهم من فرّ من البلد إلى بلدان أخرى، وظلّ الحزب يعمل سريّاً بالخوف من الاعتقالات والمضايقات المخيفة.

كانت مديريّة «هاني بعل» تابعة لمنفذيّة الجزيرة، وأذكر في 2 تشرين الثاني ذكرى وعد بلفور، ذهبت وبعض الرفقاء من رأس العين والقامشلي، وأذكر منهم زكي نظام(10) وأنيس مدياوية، وهناك اجتمعنا في خان أنطون بيك 1947، فألقى الزعيم كلمة في الجموع الغفيرة، وبعد الانتهاء من إلقاء الخطاب أخذني الرفيق جورج عطيّة لعند الزعيم وقابلته وقلبي مليء بالفرح والشوق إلى سماع حديثه، حتى غبت عن الحديث الذي كان يحدّثني، وبعدئذ أخذ يضرب على كتفي بهدوء، فوعيت وقال لي لنقم إلى رأس بيروت بيت الزعامة، فرصة من العمر قضيت حلاوتها للآن مشتاق لتذكّرها.

وفي عام 1948، في أوائل نيسان، جئت إلى بيروت بصحبة منفّذ الجزيرة تاج الدين مرتضى(11)، وقابلت الزعيم في اجتماع لمنفّذيّة السيدات في بيروت والمنفّذة كانت فايزة معلوف أنتيبا(12).

وقفلت راجعاً وحضرة المنفّذ إلى الجزيرة مصحوبَين بتعليمات الزعيم، وأخذنا صوراً للزعيم وبعض الكتب.

في تلكلخ، عندما كنت راجعاً، أوقفنا ليلاً حتى الصباح في السراي، لأنهم وجدوا معنا جريدة الحزب وفيها كلمة «قال الزعيم»، فشرطي العسكرية أوقفنا لأنّه لا يعرف إلا حسني الزعيم هو زعيم البلاد.

وفي الصباح، حضر قائد شرطة تلكلخ عبدالله النابلسي، وهو برتبة ملازم، فاحتضنني وأقعدني وفطرنا سويّة وتذكرنا النشاط الثقافي الذي كنّا نقوم به عندما كان مدير منطقة رأس العين، فأخلى سبيلنا ورجعت إلى بلدتي، وتاج الدين مرتضى إلى القامشلي، ومعه (آرمة) الحزب السوري القومي الاجتماعي في القامشلي، اصطحبها معه من بيروت.

هذا كان أول اعتقال موقّت، وتلته اعتقالات كثيرة أذكر منها في الأوّل من آذار عندما كنت في حلب، وإذ أُفاجَأ من المكتب الثاني بحلب أنني مطلوب موقوفاً وموجوداً في محافظة الحسكة للقيام بتوزيع مناشير حزبيّة من قِبل الأعضاء الحزبيين، فاعتقل منهم أنطون كره بيت، وساقوني من حلب إلى دير الزور، ففي حلب مكثت يومين في مخفر العزيزيّة، وبعدها أخذت إلى دير الزور، وهنا بعد ثلاثة أيام أخذوني إلى الحسكة وقضيت ليلة في سجن شرطة الحسكة، وشاهدت الرفيق أنطون قره بيت في السجن، وأخبرني سنقدّم إلى المحكمة غداً صباحاً بحجة القيام بنشاط حزبي غير مرخّص، وحين تقديمنا للمحكمة أطلق سراحنا الحاكم (قائلاً لعبة أولاد صغار) والذي أوقفهم صغير وتافه اذهبوا يا أولادي، وهذا كان ثاني اعتقال لي.

أثناء اعتقالي ومروري في دير الزور، قضيت ثلاثة أيام تعيسة وقاسية من سوء معاملة الشرطة العسكرية، فالشتائم كثيرة والتهديد كثير، ويطلبون منّا حق الأكل الذي كانوا يجلبوه لي، فأعطيهم المبلغ الذي يطلبونه فيجلبون لي الزيتون واللبنة والخبز فقط، وكانوا يستكثرونه عليّ.

بعد مقتل عدنان المالكي، اعتقلت في الثامن من تموز عام 1956، وساقوني وأخي فهيم إلى القامشلي، وكان رئيس المكتب الثاني الملازم عبدالله الجندي من حمص، وبدأ التحقيق معي بالضرب، وعندما يتعب يقول للرقيب صبحي طوير، وهو من دير الزور، خُذ وجرّب حيلك مع حضرة الجنرال إلياس صبري، وقائد القوّات القوميّة في الجزيرة.

فكان يُغمى عليّ ويصبّوا الماء البارد عليّ فأستفيق منهوك القوى، وظلّ هذا التعذيب ثلاثة أيام في المكتب الثاني أمام مقهى كربيس الصيفي، وبعدئذ نقلت إلى غرفة نائية عن القوميين الذين كانوا مجتمعين في «هنغار» إلى غرفة من الباطون سقفها واطي وضيقة وحرارتها شديدة، وهناك وجدت الرفيق حبيب رهاوي(13) وسكنت وإياه 17 يوماً في هذا السجن الانفرادي، وبعدئذ أُطلق سراحي، وكان هذا ثالث اعتقال.

وفي أوائل عام 1957، أوقفت في سجن القامشلي ومعي الرفيق حبيب رهاوي ومكثنا ثلاثة أيام، ثمّ سافرنا إلى حلب إلى الشرطة العسكرية في الجميلية، فمكثنا 6 أيام. هنا في السجن الغداء يقدّم لنا فول وحمّص ظهراً، وهذه الوجبة في 24 ساعة، وبعدئذ ساقونا إلى «الحلبوني» في دمشق، ومكثنا شهراً وعشرين يوماً كلّها تعذيب في الليل الساعة العاشرة حتى الحادية عشرة ليلاً، ضرباً وشتائم وتيارات كهربائية، وأُطلق سراحنا بدون محاكمة، وكان هذا رابع اعتقال.

وفي عام 1958، اعتقلت في الشام وأودعت سبعة أيام في التجارة والمحقق الملازم فيصل تركاوي، فكان يطلب أن أكتب تقريراً مفصلاً عن مسؤوليّتي في الحزب، وكنت أكتب وعندما يستلم التقرير لا يعجبه ويجبرني على ابتلاعه، وعندما لا أتمكّن من ابتلاعه ينهال عليّ ضرباً، وهنا تعرّفت على رفيق قومي من السلميّة اسمه أو كنيته الحكيم، وكان هذا خامس اعتقال.

وفي عام 1959 بأواخر شباط، اعتُقلت عندما كنت نائماً في أوتيل السياحة بحلب، استيقظت على صوت شرطي مدني يطلب مني اصطحابه، وفتّش الغرفة وساقني الساعة الثانية صباحاً والطقس ثلج إلى مكان أمام البريد في حلب، هناك التقيت بصبحي بركات وحسين صالح وعبد القادر درويش، كنّا سهرانين معاً في مطعم أمام الأوتيل، استقبلنا رئيس التحقيق ….. الحسيني، وبعد التحقيق أخذ يهيننا بالكلمات، وعند الظهر أطلق سراحنا وكانت وشاية علينا ولم يكن اجتماعاً حزبياً وكان هذا سادس اعتقال.

وفي أواخر آب من عام 1967، اعتقلتني مخابرات القامشلي بحجة القيام بنشاط حزبيّ، وفي القامشلي شاهدت في السجن العسكري حبيب رهاوي وعبد الأحد سليمان وفؤاد يونان وعبد المسيح حناوي، كلّهم من رفقاء الحسكة، فمكثت خمسة أيام في القامشلي، وبالتالي ساقونا إلى دير الزور ومن ثمّ الى حلب، وفي هذه الوقفات أخذنا حصّتنا من الضرب والإهانات وبالأخص من رئيس المخابرات في دير الزور عبدو قدح.

وفي دمشق أودعنا في القصّاع، وكان هذا السجن برعاية المقدّم أنيس خيري بيك، الذي كان مدير الشعبة السياسية في القامشلي، وثاني يوم من وصولنا بدأوا يحققون معنا تعذيباً بالضرب بالخرطوم ويعيدونا إلى الانفرادي، التي هي غرفة من خشب تَسَع لشخص واحد وقوفاً على رِجل واحدة، وهنا صباحاً شاهدت شخصاً بلحية طويلة أمام شرطي السجن أخرجه من الزنزانة، وبالكاد تعرّفت عليه الرفيق أنيس مديواية الذي كان قد سبقنا بشهور، وهنا حشرنا في غرفة تحت الدرج أنا وحبيب وعبد المسيح حناوي وعبد الأحد سليمان وفؤاد يونان وحسين صالح وشوقي الخوري، وبعد ثمانية أيّام ساقونا إلى الحلبوني الشيخ حسين، وهنا وضعونا بالانفرادي مدة شهر واحد وأخذنا حصتنا من التعذيب، ومن ثمّ أخذونا إلى سجن الشيخ حسن، وهنا كان مدير السجن المقدّم يوسف طحطوح من دير الزور، ومكثنا هنا حوالى الشهر ثمّ أخذونا للمحاكمة ومثلنا أمام قاضي التحقيق، فبرّأنا وأطلق سراحنا، وهذا كان سابع اعتقال.

وبعد شهرين اعتُقلت من قِبل المخابرات وعادت حليمة لعادتها القديمة، ووصلنا إلى دمشق: الرفقاء أنا وحبيب رهاوي وعبد الأحد سليمان وفؤاد يونان وعبد المسيح حناوي، وهنا أردفونا بالرفقاء من دير الزور والمالكيّة والحسكة، ومن اللاذقيّة فيصل صائب وأنطون سيمون(14) وعبد الوهاب بعاج(15) وحسن عياش(16) وإسبر(17) وياسين عبد الرحيم(18) وعصام (؟) من محافظة اللاذقية، وكبرئيل كوركيس من المالكية. وبقينا في الشيخ حسن مدة سبعة أشهر، وبعدئذ أخذونا لسجن القلعة في دمشق ومكثنا هناك سنة وأربعة أشهر، ذقنا كلّ أنواع الإهانات والتعذيب طوال مدّة إقامتنا في الشيخ حسن، وكان يقوم بالتعذيب المقدّم يوسف طحطوح وعناصره كلّ يوم من الساعة العاشرة ليلاً حتى الثالثة صباحاً. ولمّا انتقلنا إلى سجن القلعة، كان يزورنا المقدّم طحطوح وينهال علينا بالضرب، وأنا فقدت سمعي بالأذن اليمنى أثناء تعذيبي. هذا المقدّم ضربني كفّاً على أذني شعرت أذني انفجرت، وللآن لا أسمع بها. وفي أوائل تموز قدّمنا للمحاكمة وأُفرج عنّا بكفالة 25 ليرة شاميّة، وأخبرنا قاضي التحقيق الفشتكي أنّ التوقيف احترازيّ بأمر عرفيّ من وزير الداخلية العشاوي، وكان هذا ثامن اعتقال لي.

**

مورس علينا كلّ أنواع التعذيب، من الكهرباء الجلوس على كرسي الكهرباء، والدينامو والغلقة وإطفاء السجائر في آذاننا ودلق الماء على أرجلنا بعد الضرب، وإطعامنا كلّ 24 ساعة رغيفَين مع قليل من الزيتون واللبنة في زنزانة يطلّ عليها شبّاك ضيّق والمرحاض بجانبنا والفئران والجراذين تلعب معنا وحُرمنا مِن وظائفنا.

هوامش

1 ـ الياس صبري: مراجعة النبذة المعمّمة عنه على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info.

2 ـ أنيس مديواية: عرفته منذ سبعينات القرن الماضي، وارتبطت معه بكثير من مشاعر المودّة والصداقة. نشرت عنه أكثر من نبذةـ، وعن مكتبة اللواء التي يملكها وسط مدينة القامشلي. أتواصل معه دائماً، مباشرة أو عبر شقيقته الرفيقة لولو، عقيلة النائب السابق الرفيق جميل شمّاس.

3 ـ وديع الأشقر: لمراجعة النبذة المعمّمة عنه، الدخول الى الموقع المذكور آنفاً.

4 ـ جورج عطية: كما آنفاً.

5 ـ كامل المقدم: من «شملان» دكتور في الاقتصاد. شقيق الرفيق نجيب المقدم، مؤسس العمل الحزبي في شملان. مراجعة الموقع المذكور آنفاً.

6 ـ ادمون كركور: مراجعة الموقع المذكور آنفاً.

7 ـ نجيب خياطة كحالة: مقيم في دمشق. منح رتبة الأمانة. اقترن من الأمينة جاكلين ايليو.

8 ـ أنطون قره بيت: انتقل الى النبعة – برج حمود، ثم الى المصيطبة حيث تولى مسؤولية مدير، بنى عائلة قومية اجتماعية. مراجعة الموقع المذكور آنفاً.

9 ـ عبد المسيح طرزي: نشط جيداً في المصيطبة متولياً مسؤولية مدير المديرية. منح رتبة الأمانة. انتخب لعضوية هيئة منح رتبة الأمانة. تولى مسؤولية مدير مدرسة مار ساويريوس للسريان الأرثوذكس في المصيطبة، بيروت.

10 ـ زكي نظام الدين: من الوجوه القومية الاجتماعية البارزة في منطقة الجزيرة. اشرت إليه في عديد من النبذات. مراجعة الموقع المذكور آنفاً.

11 ـ تاج الدين مرتضى: عرفته ناموساً لمديرية الكاميرون، خازناً في عمدة المالية وكانت علاقتي به وطيدة جداً. رافق الأمين مسعد حجل في الجزيرة، والكاميرون ثم في عمدة المالية، مراجعة ما نشرت عنه على الموقع المذكور آنفاً.

12 ـ فايز معلوف انتيبا: هي منفذة السيدات باسم فايزة معلوف (شقيقة فخري، رشدي، حلمي، فوزي كمال (أبو شعر) اقترنت من الرفيق د. فاضل انتيبا (الأستاذ في الجامعة الأميركية)، أشرت إليها في أكثر من نبذة. مراجعة الموقع آنفاً.

13 ـ حبيب الرهاوي: مراجعة الموقع المذكور آنفاً.

14 ـ أنطون سيمون: عرفته ناموساً لرئيس الحزب الأمين عصام المحايري في أوائل سبعينيات القرن الماضي، ولما عاد الى الشام انقطعت أخباره عني.

15 ـ الأمين عبد الوهاب بعاج: محام. عيّن منفذاً عاماً لدير الزور، منح رتبة الأمانة. ونشرت عنه أكثر من نبذة. مراجعة الموقع المذكور آنفاً.

16 ـ حسن عياش: نشط في مدينة دير الزور متولياً مسؤولية منفذ عام . كنت نشرت نبذة غنية عن شقيقته الرفيقة المناضلة محسنة عياش. مراجعة الموقع المذكور آنفاً.

17 ـ وإسبر: هل يكون الأمين الراحل أنطون إسبر؟

18 ـ ياسين عبد الرحيم: الأمين، عميد الداخلية، عضو المجلس الأعلى شقيق الرفيق الشهيد يونس عبد الرحيم. مراجعة الموقع آنفاً.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى