ناصر أبو بكر أيقونة لحرية الإعلام
ناصر قنديل
– بعد إقدام وكالة أسوشيتدبرس الأميركية على فصل الصحافية المتدربة اميلي وايلدر بسبب نشرها مواقف تضامنية مع الشعب الفلسطيني على حسابها الخاص على وسائل التواصل الاجتماعي، في خطوة أثارت غضب أكثر من مئة من زملائها في الوكالة، لما في الفصل من تعسّف وانتهاك للحرية الشخصية والمهنية، ومحاولة استغلال السلطة الوظيفية للتدخل في معتقدات شخصية للعاملين في وكالة يُفترض أنها تملك من العراقة والتقاليد ما يمنح إدارتها معرفة كافية بخطورة ما ترتكب بحق المعايير الوظيفية واحترام حرية الرأي والمعتقد، جاء دور وكالة الصحافة الفرنسية التي لا تقلّ معرفة بالتقاليد المهنية، والتي يفترض بأنها أكثر تعبيراً عن المعايير المهنية لممارسة العمل الصحافي، من الوكالة الأميركية، فاختارت مدير مكتبها في فلسطين نقيب الصحافيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر لتطرده من وظيفته عقاباً على نقله الأمين والصادق لجرائم كيان الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، لتقدم نموذجاً من نوع آخر على مخالفة القواعد المهنيّة التي يفترض أن يكافأ على أساسها أبو بكر بدلاً من أن يعاقب استرضاء لكيان الاحتلال، في أبشع صور التبعية لإرادة الاحتلال العنصري الاستيطاني، الذي يشكل نقيضاً كلياً للقيم التي يفترض أن الصحافة الفرنسيّة تعمل بموجبها.
– فضيحة وكالتين عالميتين كبيرتين، تتوّج مساراً من الفضائح خلال الحرب على سورية مثله نشر صور جرائم مأخوذة من حروب عمرها عقود وفي بلدان تبعد آلاف الكيلومترات عن سورية، ونسبتها الى الجيش السوري للتشويه والإساءة والتجريم، ليتكامل المشهد الفضائحيّ الغربي في مزاعم الديمقراطية، وادعاءات بمعايير حرفية مهنية في التعامل مع الأحداث العالمية، ومعايير وظيفية أخلاقية في التعامل مع الصحافيين العاملين، ليثبت أن هذه الوكالات التي تدّعي الاستقلال عن حكومات بلادها في سياساتها التحريرية وتثقل أسماعنا بالمواعظ عن مفاهيم إنسانية صارمة تقود عملها المهني في التعامل مع الخبر ومع الصحافيين، ليست إلا ابواقاً لأجهزة استخبارات حكوماتها، تنفذ تعليماتها، مهما كان السلوك مشيناً ووقحاً. وترتدي هذه الفضيحة أهمية استثنائية لكونها تجري في مناخ معاكس كلياً لتخديم الوكالتين لسياسات كيان الاحتلال، يجتاح الرأي العام في أوروبا وأميركا، حيث يخرج الملايين في الشوارع يهتفون لحرية فلسطين، بحيث بات انحياز الوكالتين لكيان الاحتلال بهذه الصورة البشعة تحدياً لإرادة الشعوب التي يفترض أنها تموّل عمل الوكالتين، وهو ما يمثل بالعرف الديمقراطي سرقة موصوفة، وجرماً جنائياً كاملاً.
– يستدرج الحدث تساؤلات عما كان سيحدث لو قامت السلطات المعنيّة في بلد آخر غير فرنسا وأميركا بمعاقبة صحافي أو مؤسسة إعلامية على الترويج لكيان الاحتلال، وعندما يكون البلد الآخر عربياً كلبنان تحرّم قوانينه الترويج للاحتلال، ألم تكن سلطات البلدين في واشنطن وباريس لتنظم حملات التنديد بالمساءلة، تحت عنوان الدفاع عن الحرية، وكانت ستنضم إليها هيئات ومؤسسات يفترض انها موجودة لرعاية وحماية عمل الصحافيين من التنكيل بسب الممارسة المهنية أو بسبب ممارسة حرية المعتقد والتعبير، وكنا سنسمع مواعظ لا تتوقف عن الحقوق والحريات، ما يؤكد سياسة الكيل بمكيالين، عندما يتصل الأمر بكيان الاحتلال، ولذلك فإن كل الصحافيين العرب والصحافيين الأحرار في العالم وهيئات الدفاع عن حرية الصحافة في العالم، والهيئات الحقوقية التابعة للأمم المتحدة، وتلك التي تعبر عن الرأي العام في بلدان الغرب، مطالبة بعدم التهاون مع سلوك وكالتين من أكثر الوكالات العالمية للأخبار تأثيراً وانتشاراً، وبعدما بادر نقابة المحررين الى إصدار بيان تنديد بطرد نقيب الصحافيين الفلسطينيين، صار مطلوباً إطلاق تحرّك أشد قوة وحضوراً بحجم الاعتصام أمام السفارات الفرنسية والأميركية في العواصم العربية، وأمام مكاتب الوكالتين الأميركية والفرنسية في البلاد العربية والعالم تنديداً بالأفعال المشينة، التي تنتمي لسلوك أبشع الديكتاوريات وأنظمة الفصل العنصري البائدة، ليصرخ العالم كله بوجه هاتين الوكالتين، ويدعو الرأي العام إلى معاقبتهما على طريقته، بفرض التراجع عن القرارات المجحفة أولاً، وبالتهديد بوقف التمويل ثانياً، فيما يجب على مجتمع الإعلام العربي التفكير بمقاطعة أخبار الوكالتين، حتى يستقيم السلوك وتصوّب المسارات، وتتم مراجعة القرارات، وهذا أضعف الإيمان.