عالم في كلّ شيء..
الكبر الخفي أخطر من سواه الظاهر للعيان، ونراه جلياً حين نسمع إنساناً يتفاخر بكونه (أبو العريف) عالم بكل شيء من قطاعات وتخصصات ومعارف ومهارات ولغات ومشاريع وبرامج حتى أكثر من أهل الاختصاص، فهم في أكثر الأحيان يتصدرون المجالس ويتحدّثون كخبراء من معين لا ينضب.
هذه الشخصيّة تعرّف وتحلل وتستنبط وتستقرئ وتعبر عن رأيها ورأي غيرها، وهم يشكلون فجوة كبيرة كالمطففين حيث ما لهم يختلف عما عليهم. وقد ينجح إدراجهم تحت مسمّى ثقافة الفضول في بعض الأحيان ولكن الفضول الزائد يصبح مرضاً اجتماعياً يجعل صاحبه متقوقعاً في حب التدخل في قضايا الناس وزج أنفه في كل القضايا، وهذا ليس بالشيء أو التصرف المحمود بتاتاً.
أبو العريف أبو قراط في الطب، وسيبويه باللغة العربية، والخوارزمي في الرياضيات، والرازي في علم الأدوية، ومعجم في اللغات ومكتبة في المعرفة وبحر في العلوم بل وأكثر من ذلك بكثير.
هو شخص لا يكلّ ولا يملّ، يفتح موضوعاً ويخرج من آخر، ويجبر الآخرين للاستماع له ليس لحبهم لحديثه بل رغبتهم بأن ينهي حديثه، وأحياناً ليعزفوا على أوتار كذبه ومسرحياته وسيناريوهاته.
إن هذا الفضول في شخصياتهم لهو فضول مذموم ربما يؤدي للباطل أو خراب العلاقات الإنسانية أو الأخلاقيات الزائفة أو ضياع الوقت أو غيرها، وهذا قمة التدخل في شؤون وخصوصيات الناس مما يؤدي لغضب الآخر وتحسسه كنتيجة لهذه التصرفات. فطوبى لمن قدر قيمة لحظة حاضرة ولمن يزين مضارعه ولمن يتجنب الجدال والكلام في كل كبيرة وصغيرة.
أبو العريف مهندس أكثر من المهندسين، ومعلم أكثر من المعلمين، وخبير أكثر من الخبراء، واقتصادي أكثر من الاقتصاديين وسياسي أكثر من السياسيين. عندما يتحدث تشعر لكأنه ينحدر من عرق يوناني أو أميركي ساميّ لكن اضطرته الظروف للتعامل مع شخص خارج التصنيف.
بدأنا نلحظ أن كثيراً من العقول البشرية يصعب تصنيفها كعقول، وهذه دعوة مفتوحة لتكبير العقول وللتفكير باستراتيجية لا شخصنة أو شللية أو سرد لأحداث، وألّا نحول الفضول المحمود لفضول مرضي، فهذه الشخصيات تؤشر لشزفرينيا عند البعض على سبيل تحقيق الذات والأنانيّة على حساب الصالح العام.
لا بدّ من المواءمة بين روحيّة العطاء والأخذ، وتجنّب شخصيات كأبو العريف قدر الإمكان، وأن نؤمن بالتخصصيّة والعطاء والإبداع والتميّز ونبتعد عن العموميات والفضول وحشر الأنوف في كل صغيرة وكبيرة.