التنمية الاقتصاديّة والنمو الاقتصاديّ والفرق بينهما
هنالك فرق ما بين مفهوم التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي، وعادة ما يخلط الناس بين مفهومي التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي، حيث يعتقد البعض أنهما نفس الشيء، فيما يتهم آخرون الحكومات بتزييف البيانات حول النمو لمجرد أنهم لم يشعروا بعد بتحسّن في مستويات الدخل أو ارتفاع مستوى المعيشة.
في الحقيقة، ليست مهمة البيانات حول معدل نمو اقتصاد الدول أن يعكس ارتفاعاً في مستوى دخل المواطنين أو زيادة رفاهيتهم، على الأقل على المدى القصير (عادة ما يشير معدل النمو إلى حجم الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي للدولة خلال فترة سنوية أو ربع سنوية).
ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يشعر مواطنو دولة ما بنهضة اقتصادية تحدث حول، أو يستشعروا انعكاس ذلك عليهم خلال مدة زمنية قصيرة كهذه، لكن يمكن الاستدلال بمعدلات النمو المرتفعة على سير البلاد نحو تحقيق الرخاء لشعبها.
ولتعريف التنمية الاقتصادية ومعرفة متى يتحقق التحسن في رفاهية الشعوب وارتفاع مستواها المعيشي، يجب أولاً الوقوف على مفهوم النمو الاقتصادي وتعريف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
ما النمو الاقتصادي؟
النمو الاقتصاديّ هو مقدار الزيادة في إنتاج السلع والخدمات خلال فترة محددة، ولكي يكون أكثر دقة، يجب أن يستبعد القياس آثار التضخم ويعرف ذلك بـ»النمو الحقيقي» للناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بحسب موقع «ذا بلانس» للتقارير المالية والاقتصادية.
ما المقصود من الناتج المحلي الإجمالي؟
يعرف صندوق النقد الدولي الناتج المحلي الإجمالي بأنه مقياس القيمة النقدية للسلع والخدمات النهائية (أي تلك التي يشتريها المستخدم النهائيّ)، والمنتجة داخل بلد ما في فترة زمنية محددة، ويشمل كل الإنتاج داخل حدود الدولة.
وهناك بديل آخر تستخدمه هو الناتج القومي الإجمالي، والذي يحسب ناتج سكان البلد داخل وخارج الحدود، بمعنى إذا كان لمصر مثلًا شركة مملوكة في السعودية، فإن إنتاج هذه الشركة يضمن في الناتج القومي الإجمالي لمصر، علاوة على الناتج المحلي للسعودية.
ما أهميّة النمو الاقتصاديّ؟
النمو الاقتصادي يعني المزيد من الأرباح للشركات، وبالتالي ترتفع أسعار الأسهم، وهذا يعطي الشركات رأس مال للاستثمار وتوظيف المزيد من الموظفين، ومع خلق المزيد من الوظائف، يرتفع الدخل.
وتكون لدى المستهلكين أموال أكثر لشراء منتجات وخدمات إضافية، وتقود عمليات الشراء تلك نمواً اقتصادياً أعلى. لهذا السبب، تريد جميع البلدان تحقيق معدلات نمو إيجابية، وهذا ما يجعل النمو الاقتصادي المؤشر الاقتصادي الأكثر مشاهدة.
ينظر الكثير من المحللين الاقتصاديين إلى مقياس الناتج المحلي الإجمالي باعتباره مؤشراً لرفاهية الشعوب، لكن هذا الأمر بات محل جدل كبير في السنوات القليلة الماضية، ومع ذلك لا يزال أفضل وسيلة لقياس تطور الاقتصاد.
لماذا النمو الاقتصادي يختلف عن التنمية؟
الأمر الذي يشوّش البعض، هو الخلط بين النمو والتنمية، فعندما يسمع المواطنون أن بلادهم حققت نمواً كبيراً في سنة ما، يسارعون لتكذيب ذلك، أو التشكيك في مصداقية الحكومة، حيث يتبادر لذهنهم أن التحسن الاقتصادي ينبغي أن يروا أثره بين أيديهم بشكل آني.
على سبيل المثال، حققت إذا كانت الدولة «س» لديها ناتج محلي إجمالي تبلغ قيمته 100 مليار دولار، وفي سنة ما سجلت نمواً بنسبة 10% (نسبة كبيرة للغاية وغير معهودة لمعدلات نمو الاقتصادات)، فهذا يعني أنها بحلول نهاية العام، أنتجت سلعاً وخدمات بقيمة 110 مليارات دولار.
وقبل الحديث عن تحسن مستوى المعيشة، يجب النظر في أمور مثل، مدى استمرارية النمو بهذه القوة لفترة ممتدة، بحيث يزداد الإنتاج، ويزداد معه التوظيف، وترتفع معه الأجور، وتزيد عائدات الحكومة من الضرائب والتصدير، ومن ثم يوضع في الاعتبار العوامل الديموغرافية مثل تعداد السكان ونصيب الفرد من الدخل الجديد، ومن ثم يمكن الحديث عن تحسين مستوى المعيشة.
لذا فإن تحسين مستوى المعيشة، عملية مرهقة وشاقة وممتدة، تحتاج إلى خطة عمل تستمر لسنوات طويلة، مع الوضع في الاعتبار أن الرخاء لا يعني ارتفاع الأجور فقط، حيث إن تحقيق الرفاهية أمر يتخطى النمو الاقتصادي، إذ يضم جوانب أخرى مثل التعليم والصحة والأمان وغيرها من أساسيات الحياة، وهو ما ينقلنا للحديث عن «التنمية الاقتصادية».
ما مفهوم التنمية الاقتصادية؟
لا يوجد تعريف مقبول عالمياً لماهية الدولة النامية؛ ولا ما هي بالتحديد عملية التنمية الاقتصادية، وعادة ما يتم تصنيف البلدان النامية حسب معيار دخل الفرد، وعادة ما يُعتقد أن التنمية الاقتصادية تحدث مع ارتفاع دخل الفرد، بحسب موسوعة المعلومات البريطانية «بريتانيكا».
لا يقصد بدخل الفرد في بلد ما حجم الأجر الذي يتقاضاه، وإنما عادة ما يشير إلى نصيبه من الناتج المحلي الإجمالي (يحسب ذلك عن طريق قسمة الناتج على إجمالي عدد السكان)، ويُعدّ إلى الآن أفضل مقياس متاح لقيمة السلع والخدمات المنتجة مقابل كل شخص في المجتمع سنوياً.
ومع ذلك يمكن القول، إن «عملية التنمية الاقتصادية هي التي يتحول خلالها الاقتصاد بشكل جذري، مثل أن يتحول الاقتصاد الناشئ إلى متقدم، أو الاقتصاد البسيط إلى آخر صناعي متطور، وتصحب عملية التحول تلك ارتفاعاً في مستويات الدخل، إلى جانب تحسن جوانب الرفاهية من صحة وتعليم وإسكان».
ويقول آخر، إن «هذه العملية تعكس التحسن النوعي والكمي للاقتصاد، وتركز على التحولات التي شهدتها البلدان خلال فترات طويلة للغاية، ولا يمكن قياسها ببساطة عبر مؤشر مثل الناتج المحلي الإجمالي، فهي تحتاج لعدد من المؤشرات مع وضع التغيرات الزمنية في الحسبان».
أهداف التنمية الاقتصادية
خلال هذا التحوّل يفترض أن المواطنين سيجدون – إلى جانب ارتفاع الأجور ومستوى الدخل – تحسناً في جودة التعليم المقدم لهم وزيادة الإقبال على المؤسسات التعليمية، وتطور الخدمات الطبية وارتفاع متوسط الأعمال، وتوافر سكن ملائم للجميع، وغيرها من الأساسيات التي تشكل رفاهية الإنسان.
فيما تعرّف موسوعة المعلومات المالية والاقتصادية «إنفستوبيديا» التنمية الاقتصادية بأنها، «فرع من فروع الاقتصاد يركّز على تحسين الظروف المالية والاقتصادية والاجتماعية في البلدان النامية».
وتقول إن «اقتصادات التنمية تأخذ في الاعتبار عوامل مثل الصحة والتعليم وظروف العمل والسياسات المحلية والدولية وظروف السوق مع التركيز على تحسين الظروف في أفقر دول العالم».
أبرز أمثلة التنمية الاقتصادية
في الفترة ما بين عامي 1990 و2010، انخفض عدد الفقراء كنسبة من مجموع السكان في البلدان النامية إلى 21% من 43%، أي تراجع عددهم بنحو مليار شخص، وكانت الصين مسؤولة عن ثلاثة أرباع هذا الإنجاز، بحسب تقرير لبوابة «أرقام» المالية.
بفضل إصلاحاتها الاقتصادية وما نتج عنها من معدلات نمو مذهلة، سحب 680 مليوناً من مواطنيها من تحت خط الفقر خلال الفترة ما بين عامي 1981 و2010، ليتراجع معدل الفقر لديها من 84% في عام 1980 إلى 10% فقط في عام 2013. في شباط الماضي، أعلنت الصين انتشال 100 مليون آخرين من براثن الفقر في آخر 8 سنوات.
ينظر إلى تشيلي أيضاً باعتبارها أحد أفضل نماذج التنمية، حيث سجلت نمواً متواصلاً على مدار ربع قرن منذ عام 1990، في ما عرف لاحقاً باسم «معجزة تشيلي»، وانعكس ذلك بالطبع في تحسن رفاهية المواطنين وانخفاض الفقر والبطالة وتحسن سمعة البلاد دولياً.
وقفز حجم الاقتصاد من 20 مليار دولار عام 1984 إلى قرابة 277 مليار دولار في 2017، وأصبح اقتصاد البلاد أكثر تحرراً، وتراجعت فجوات الدخل، ونما نصيب الفرد من الناتج المحلي إلى 24 ألف دولار، أعلى من المتوسط في منطقة أميركا اللاتينية بنسبة 40%.
كما انخفضت نسبة السكان الذين يعيشون في فقر مدقع من نحو 21% في عام 1990 إلى 2% فقط بحلول عام 2013، وتراجعت نسبة مَن يعيشون في فقر معتدل من 41% تقريباً إلى 6.8% خلال الفترة نفسها.