العرب اليوم كحالهم قبل عشرة قرون
} د.وفيق إبراهيم
هذا سؤال يكشف عن عمق تخلّف العرب منذ سقوط المرحلة الاخيرة من الدولة العباسيّة. أي في زمن سيطرة جماعات المماليك عليها وتبعها الأتراك والمغول وصولاً الى موجات الفرنجة من تحالفات فرنسية وبريطانية وصولاً الى السقوط الكبير في المشروع الإسرائيلي الى الانخراط في استعمار أميركي وبيل مفتوح لا تبدو له نهايات قريبة.
هناك اذاً ثوابت استعمارية في عالم العرب غير قابلة للتراجع في الوقت الحاضر.
الأميركيون اولاً وضعوا ايديهم على النفط والغاز وجزيرة العرب ومصر والعراق وشرقي سورية ولبنان السياسي والسودان وفلسطين، والحبل على جرار الحركة الاستعماريّة المتصاعدة.
لماذا هذه الانهيارات المتواصلة منذ أقل من ألف عام بقليل؟
رحل العباسيّون وهم من أهل مكة تاركين عراقاً منهاراً تحت الرحمة المملوكيّة والتركيّة التي كانت أصلاً تحت سلطتهم ورحمتهم لأنهم هم استجلبوا عناصرها من تركمستان واوروبا الشرقية والتجمّعات الغسلامية في جنوب شرقي آسيا.
لكن الفرنجة لم تترك لهم الأصقاع والبلاد فطردت هذه الأقليات واستولت على سورية وباقي دول العرب من دون قتال محلي له طابع الشدة. فتربع مستعمر فرنجي بدلاً من مستعمر تركيّ الى ان ظهر البترول في شبه جزيرة العرب فتحرك الشبق الاميركي الاوروبي متقاسماً كامل المنطقة التي كانت تبدو وكأنها خالية من السكان أو أية سلطات سياسية متطابقة مع عصرها.
كانت هناك قبائل يقودها شيوخ سعت الى ضرب القبائل الأخرى انما تحت رايات المستعمرين الجدد من الأميركيين إلى أن تعاون الانجليز والفرنسيين معهم فقسموا المنطقة لليهود على حساب سورية التي كان يفترض بها دائماً أن تعتبرها جزءاً منها وليس قطعة مستقلة ذات بعد وطني منفصل، كما فعل بها ياسر عرفات الذي ركز على خصوصية فلسطينية ليست حقيقيّة، لأن هذه «الفلسطين» هي جزء من سورية التاريخيّة لا يمكنها ان تتخلى عنها، ولا ان تتحرر من الاجتياح الإسرائيلي الاستيطاني من دون التحاقها بأمها سورية.
فإسرائيل الحالية هي النموذج الكبير الذي يعبر عن السيطرة الأميركية الأوروبية على المنطقة العربية.
بذلك يتبين أن عرب الشرق الأوسط هم على حالهم منذ الف عام، لديهم مناطق مقسمة وثروات ينهبها المستعمر وتركيز غربي على تحطيم السلطة السياسية في سورية لمنعها من جذب محيطها التاريخي والطبيعي في لبنان وفلسطين والأردن وبعض أنحاء العراق وبالتالي كامل المنطقة التي لن تستطيع الاستمرار من دون التعاون مع سورية.
لعل هذه الأهميات السورية هي التي تجعل الغربين الأميركي والأوروبي يركزان على إسقاطها واستتباعها الدائم للسياسات الغربية وتراجعها المتواصل عن مواجهة «اسرائيل» وعجزها عن جذب بقية بلدان المنطقة.
وهذا يعني ان اسباب التركيز الأميركي الأوروبي الإسرائيلي على إسقاط الدولة السورية وإلحاق الهزيمة بآل الأسد منها، انما هي من الاسباب العميقة لمحاولات الأميركيين الإمساك بسورية من خاصرتها الشرقية لمنعها من التواصل مع العراق والأردن، ودعم تشكل سلطات سياسيّة سعوديّة وفرنسيّة في لبنان للأسباب ذاتها.
بما يؤكد أن العين الاستعمارية الغربية ترصد الحركة السورية كيفما اتجهت فلا تكتفي بمنعها من التحرّك في مداها الطبيعي السوري بل تحول دون قيام أي علاقات بينها وبين بقية البلدان العربية والعالمية.
هذه المطالعة تكشف عن حقيقة أساسية تتعلق بضرورة الدعم العربي الكبير الشعبي والسياسي للرئيس بشار الأسد قائداً لمشروع سياسي سوري وإقليمي هدفه إنقاذ المنطقة من تكريس الحركة الاستعمارية الدائمة فيها، على قاعدة الغمساك بالخليج ومصر والعراق واليمن الجنوبي ومعظم دول المنطقة.
ألا تكفي هذه المخططات لرحيل عرب «الردة» نحو دمشق التي تترقب وصولهم إليها لتنظيم أكبر عملية تحالفية عربية لم يحصل مثلها منذ ألف عام لإعادة تحرير بلاد الشام سياسياً وعسكرياً ودعم ولادة تحالف سوريّ كبير بوسعه نقل المنطقة بسرعة إلى القرن الحادي والعشرين.
سورية تحظركم ولا تكتفي بممارسة لعبة الانتظار، بل تبذل مساعيها الضخمة للاستعجال به للالتحاق بهذا العصر الذي أسقطه العرب في نيران صحاريهم الملتهبة وضعوا قبائل لإداراتهم السياسية تعمل من أجل مصلحتين فقط: النفوذ الغربي والعائلات الحاكمة.