أخيط الزمان قميصاً وألبس حزن البلاد
(إلى صاحب العرفان الذي سافر عنا وما زالت روحه تملأ الفضاء...)
} د. طراد حمادة*
أخيط الزمان قميصاً
وألبس حزني
وأفضي إليك ما كشف العاشقون
وما يكتمون
لأنّ الولاية سرّ الرسالة
حقّ اليقين
يقصد الكشف بين حين وحين
(ن والقلم وما يسطرون) (القلم: 1)
ويوم تسبّح السماء والأرض إذ يسجدون
وتبصر ما يبصرون
توضأت بالماء
توضأت بنور القلوب
وعين السماء
وجبلة طين…
وحرتُ في هجرة الهاجرين
قبلة المصلي، والثقلين
في المشرقين والمغربين
وسألت عنك، ولو أراك
وسألت عنك، ولو تراني
أخيط الزمان قميصاً، لحزني
وأحب دمع الثواني…
*****
كنت في غربة العارف، من حفل جهاده تطلّ زنبقة الصحو، ويعلم من يعلم أنّ لونها الجميل، ورائحتها الزكية تفسحان الطريق للمسافرين، الذين تزوّدوا بالتقوى وورد العبادات. ووصلوا الليل بالنهار. وانتزع منهم الفرح وانتزع منهم البكاء. ومن زوّادتهم المعنوية تضع العزة والرفعة. وقد صنعوا من الحجارة التي في أيديهم، منازل تشبه الخيال. تستدير إليها عيون الأعداء تريهم أسلحة الإمداد الغيبي، التي تمزج الدمع والدماء في أحواض الجنة.
ثم علوت بجناحيك كالطيور الروحانية التي تتوازن طيرانها السماوي تحملك الأنسام ورائحة الربيع كوكبة نجوم تحوم حول مسلكك المعنوي وهو يبدو شامخاً في الطريق الصاعد إلى أبراج الروح تحمل صورة الشهداء الذين قضوا قبلك ومعك وتفرح كيف أخذتهم محبة الله وفي سبيله.
(يا أيتها النفس المطمئنة) (الفجر: 27)
*****
حياة هذا العالم تنبئ بحياة أخرى ثمة من يبني ويحضّر صورة أيامه على جبينه.
كالذي يزرع في الأرض
النبتة الصالحة السمحاء
التي ترسل عرفها إلى السماء
كما يصدر الكلام الطيب.
عن الشجرة الطيبة
*****
أضاءت ذكراك
لأنك تهب النور إلى الحقل المظلم
وأنت أخذت بأيدينا، في وقت ما.
من زمن الغيبة
بأفكارك التي لا تزال كشموع منيرة
تدور حول كوكب دري
يحفظ توازن النور في أرجاء الكون
مخلوط بأنوار من الصباح
وقت تغرّد الشمس على غصن الأفق
وفي المساءات حين تتجمع خيوط
أضواء النهار المتبقية.
النورانية في الشدة والضعف
تستضيء بذكراك
لأنت المصباح الذي يكشف صفحة
تاريخنا
فنرى الحروف والكلمات
حين تتوارى الشموس
وراء حجاب الغروب…
*****
أضيء بقعة ذكراك أيها العارف
الصديق
الذي أناديه في الصباحات
وأبتكر له الأسماء. ولا أجد
من صفاته سوى الكلمات التي
لم يقلها الشعراء بعد.
ولم تنكشف عنها أسرار الحروف بعد
ولم تتهيأ لها كعروس بيضاء صفحات
كتابة التاريخ بعد
آه من مطر يسقط على سطوح القدس
ومن بحر حيفا، ومن لون شطآنها
وطعم جيرانها. ومن رائحة البرتقال وحتى
من الزبد الأسود في شطآن الخليج
وحتى… من عشبة على طريق النجف
تورد خط الدماء الذي لم يجف.
وحتى، من تربة تقدست في كربلاء
وحتى، يفوز الجهاد ويبقى العزاء
وحتى، تلملم بغداد جراحها في طلعة
الفجر، مثلما فعلت بيروت حين
ماتت وعاشت ألف مرة. وحتى
تعمر البصرة بعد الخراب
وحتى يعود الأزهر إلى القاهرة
وتنعم الأرض بنعمتها الزاهرة
وتذهب عنا البلية
وتكتب في أحرف النور حرية
شعب عظيم.
وفي مداد الدماء الزكية
اطلعي من لباس الحزن
أيتها الوردة. زهرة المعرفة واليقين
هي ذي الألوان تتباهى
وتنشط الحجال فوق الجبال
والطيور تسرع إلى جنائن الورد
والياسمين
وتبدأ نشيدها العذب
في رصيف المكان الأمين
*****
اصعدي من نيران الحزن
أيتها الأنوار المشعشعة
كنهار في شهر آب
ومدي الظل من نورك
لنفيء إليه
كما تفيء الطيور إلى أغصانها
ونملأ صدورنا بنسائم العشق
لأن الأحزاب عرشت على صفحات
تاريخنا
كما تعرش أوراق الشوك الوحشي
على جدران الخراب
واصدحي بأعلى صوتك يا طيور الحكمة والرحمة.
صنعوا الحروب الظالمة، وظلموا الشعوب الآمنة، وسفكوا الدماء البريئة هم الذين صنعوا هذا الخراب الفظيع كما يصنع التابوت.
وأنّ الله على حسابهم لقدير.
*****
أضيء بذكراك
كما أنه لا دليل على الشمس
لا دليل لعرفانك الذي يهب النور
للحفل المظلم
روح الله الخميني.
النفس العالية
صارت فلكاً عالياً
يسكنه أهل العقل. وأهل القلب
ودعاة العزة، من الصدّيقين
الصادقين
من يسمع وصيتك المعتبرة
الذي يريد أن ينال مراد القلب
يصرف عقله إلى مباني معانيها
وأضواء مناراتها
وأبعاد مسافاتها
أقول له: تعجل في اكتساب الخير
إنّ الحياة قصيرة
*****
يحفظ كثيرون ما قلته
وأخاطب من سمعك، وقرأك
وأصغي إلى خلفك من بعدك
وأقول لهم
ما قيل في مخاطبات العارف
مبلغك من العلم ما به تطمئن
*****
أخيط الزمان قميصاً
وألبس حزني
وأفضي إليك بما كشف
العاشقون
وما يكتمون
مبلغك من العمل ما به تطمئن
وما يصنع العرفاء. لتقوى العباد
أخيط الزمان قميصاً
وألبس حزن البلاد…
* وزير سابق