مناقشة لمقولة «المحور السني» و«المحور الشيعي»
} المهندس باسم شراب ـ فلسطين
قبل تعريف المحور السني والمحور الشيعي، يجب أولاّ أن نعرف كيف ظهرت هذه الأسماء، وان نفهم من الذي أطلق هذه التسميات ولماذا؟ وهل هذه محاور حقيقية وتعمل لأغراض طائفية متعارضة وهل كلا المحورين في صراع مع بعضهما البعض.
بعد التفكير والبحث لم نجد أن تحالفاً أو تكتلاً من الدول أو الجماعات وقد أطلق على نفسه أنه محور سني أو محور شيعي.
وأصبح معلوماً أنّ الإعلام الأميركي أولاً والإعلام الصهيوني والعربي هو من اختلق هذه المسمّيات، وكالعادة في بلادنا التي لا ينتشر فيها القراء بعمق ويفتقر كثير من مثقفيها إلى التحليل النقدي والحسّ التأصيلي للمعرفة، ولكثرة ترديد المسمّيَيْن باللفظ أو بالمعنى عبر وسائل الإعلام فقد انتشر استخدام هذين التعبيرين، وساعد في ذلك إضافة إلى بعض المشايخ، رؤساء وزعماء دول عربية وهم الذين لا يؤمنون إلا بالمحور الأميركي الصهيوني كضامن أساسي للبقاء في الحكم وقهر الشعوب ومنع النهوض.
من حين إلى آخر يردّد مشايخ وإعلاميون ومثقفون هذين الاسمين، مع تركيز زائد على المحور الشيعي بالاسم أو بتعبير آخر مثل الهلال الشيعي، وأنه يسعى لبسط سيطرته على العرب، وكأنّ الاستعمار السياسي الاقتصادي بقيادة الغرب سيترك العرب لقمة سائغة لغيره شيعياً كان أم سنياً»، ما يذكرنا بشيء مشابه انتشار كلمة (العنف والإرهاب) بدلاً عن الجهاد وهي حقّ المسلم المظلوم الذي احتلت أرضه بالجهاد وصارت كلمة العنف والإرهاب ذائعة بعدما فعل الإعلام العربي والدولي فعل السحر في آذان الناس من مثقفين ومشايخ ونخب وغير مثقفين، ولا زالت تعبيرات عنف وإرهاب تتردّد مئات المرات بدلاً من كلمات الجهاد والحق في الجهاد.
يوجه كثير من العرب، مطبّعين مع الاحتلال وغير مطبّعين اللوم الشديد لحركات المقاومة الفلسطينية بسبب تلقي دعم من إيران، وإذا سألت هؤلاء العرب ما العمل؟ فلا أنتم تساعدون ولا تريدون لغيركم أن يساعد؟ يكون الردّ بأن تموتوا وقوفاً بدون سلاح أفضل وأشرف من تلقي المساعدة من الشيعة الرافضة الكفار، وغير ذلك من السخافات.
وتأكيداً لنفس المعنى، يعيب ويلوم العرب الذين لا يؤمنون بقضاياهم الوطنية فضلاً عن قضية فلسطين على الفلسطينيين تلقي المساعدات من إيران، لماذا لأنها شيعية، وعندما نقول انّ المقاومة الفلسطينية محاصرة ولا تتلقى من العرب الذين تسمّونهم سنة أيّ مساعدة، وتتلقى هذه المساعدات المالية والحربية من إيران بدون شروط، يقابلون ذلك بالمعارضة واختلاق مبرّرات يردّونها إلى الاختلاف المذهبي وكأنهم يريدون أن تبقى الأمة في صراع وإعادة إيقاظ المطحنة التاريخية، وإشغالها في صراع لا يؤدي الا إلى التخلف والاندحار، وفي نفس الوقت يتجاهلون فلسطين والأقصى والمسلمين المضطهدين صباحاً ومساء في مشارق الأرض ومغاربها، فلا يعنيهم إلا العداء مع إيران ودور إيران، وهو بالضبط ما يعني الغرب ودولة الاحتلال، والغريب العجيب أنهم لا يتخذون نفس الموقف من الأمم التي لا تدين بدين الإسلام مثل أميركا، روسيا، الصين، الهند.
إيران دولة تبني نفسها لأنها صمّمت على المحافظة على استقلالها ولا تريد ان تكون نموذجاً مكرّراً للدول العربية التي تقبع في آخر سلم التخلف والاندحار وتعيش تحت التبعية الكاملة للغرب وأموالها واقتصادها ونموها في أتعس الأحوال، والتي وصفها وزير الدفاع الأميركي السابق عن ردة فعل الدول العربية في حال غزو العراق قائلاً: من قال إنّ هذه دول، بل هذه ليست إلا أراضي عقارية وخرائب، وهو وصف مختصر لحال الانحطاط الراهن.
ولو عقدنا بما لدى العرب من موارد وقامت بتسخيرها لصالح الشعوب لكانت هذه الدول في نمو حضاري ولها تكتل دولي وزنه أضعاف نموّ ووزن إيران.
إيران تفهم أنّ المشروع الصهيوني خطر عليها باعتبارها دولة إسلامية ذات قرار مستقل ولها رسالتها الحضارية الخاصة بها وتعتقد بقدسية القدس وقدسية فلسطين، وهي نفس القضية التي أدار معظم العرب ظهورهم لها، فلا نجحوا بالتحرير ولا نجحوا بالتنمية الحضارية للمجتمعات العربية، وآخر ما تفتق من حكمتهم التطبيع مع دولة الاحتلال بل وتقديم المساعدات لها بدون مقابل، بل وأكثر سوءاً من ذلك اتخاذهم مواقف معادية لفلسطين أرضاً وشعباً، أو كما قالت بعض وسائل إعلام دول التطبيع والاستتباع لدولة الاحتلال، مسجد في أوغندا أفضل من المسجد الأقصى.
من هو محور السنة أو من هم الذين يعملون بالسنة وينصرون أهل السنة؟
عندما تتوجه بهذا السؤال عن الجهات التي تمثل العرب السنة والتي تعمل وتطبّق السنة وتنتصر للسنة النبوية، لا تجد جواباً، فمعظم حكومات الدول العربية التي يتبع سكانها المذهب السني في حالة سلام أو تطبيع أو تفاهم مع دولة الاحتلال الصهيوني، وكثيراً ما ردّد رئيس وزراء دولة الاحتلال إنشاء محور سني في مواجهة أطماع إيران، معتبراً نفسه القائد لهذا المحور!
في المقابل لم نسمع عن محور شيعي، أيّ محور يريد ويقصد نشر المذهب الشيعي في بلاد العرب أو في فلسطين، حيث تتلقى المقاومة كلّ أنواع الدعم من إيران بدون أيّ شروط، بل وتمنع حكومة غزة إقامة أيّ مؤسسة أو تنظيم شيعي وهذا بعلم إيران باعتبار ذلك فتح طريق للاختلافات المذهبية والانقسامات المجتمعية، فلا داعي ولا لزوم له ولا فائدة منه.
نجح الضخ الإعلامي المتواصل إلى جعل كثير من الناس يردّد شائعات عن محور شيعي وهلال شيعي للسيطرة على العرب، وهم كما أسلفنا تحت الاستعمار الاقتصادي السياسي الغربي الجاثم على هذه الأمة بصفته المحتكر والمتصرف، ويزيد عليها بإطلاق صفة الفئة الرافضة والضالة والكافرة على الطوائف الشيعية بدون فهم ولا تمحيص ولا معرفة برغم الاختلافات الشديدة بينها، ولا شك انّ بعض الطوائف من سنة وشيعة قد خالفت صحيح العقيدة وهو موضوع شائك لا يمكن الحديث عنه في هذا المقال.
من جانب آخر استطاع الغرب ومن خلال المفكرين لديه، والذين درسوا التاريخ الإسلامي والثقافة الإسلامية والمذاهب الإسلامية بعمق شديد أن يخترع من السنة شيئاً جديداً رهيباً قلما وجد عبر التاريخ الإسلامي، وهي داعش وأخواتها وهي حوالي عشرة تنظيمات مشابهة في الفهم والأداء تعمل بنفس الوحشية باسم السنة وأهل السنة! ورأينا وسمعنا ماذا فعلت هذه التنظيمات في الشعب السوري من سنة وشيعة ومسيحيّين ودروز، ومنها من توعّد حماس بالذات بالقتل والانتقام لأنها لا تتبع الشريعة بالطريقة التي يرونها، وفي المقابل كانت هذه التنظيمات الداعشية في حالة وئام وسلام مع دولة الاحتلال وأفرادها يتلقون العلاج في مستشفيات الاحتلال فضلاً عن دعم ومساعدات أخرى من الاحتلال ومن جهات عربية وأجنبية.
ولأنّ اختراع المحورين (سني وشيعي) انما لغرض استهداف مقاومة الاحتلال ولإحياء التناقضات والخلافات والصراعات في الأمة ولأنّ الموضوع مرتبط بالدين والعقيدة فسنتكلم في هذا الجزء من المقال عن تناول مشايخ الضلال ومشايخ الصمت موضوع المقاومة وإيران ودول الكفار.
فلو كانت العلاقة بين حماس والهند أو بين حماس والصين هي نفس العلاقة الحالية بين إيران وحماس، وإيران دولة محايدة لا شأن لها بحماس مثل باكستان حالياً أو غيرها، لخرج المشايخ المتواطئون مع حكام دول سايكس بيكو (العرب والاحتلال) والمشايخ الذين لا يفهمون سياسة ولا اقتصاد ولا علاقات دولية ولا سياسة شرعية بالبحث والتفصيل في جواز ذلك من عدمه، لأنّ كلتا الدولتين كافرتين وأتحفونا بمئات الصفحات في التأصيل والتعريف والتحليل واستعراض آراء فقهية لعصور لا تشبه عصرنا الحالي، ليصلوا إلى نتيجة تشبه تفسير الماء بالماء وغالباً تغيّب الوعي وتزوّر حقائق الشريعة لمصلحة الحكام والصهيونية العالمية والغرب المسيطر اقتصادياً وسياسياً على العرب والذي لا يحكم حاكم دولة عربية إلا من بعد أن يأذن له ويرضى.
يحرص هؤلاء المشايخ أشدّ الحرص على عدم توجيه أيّ نقد وأيّ لوم للحكام، وكثيرون يعتبرون أنّ الله أرسل الرسل وأنزل الكتب السماوية لغرض وحيد وهو إطاعة الحاكم أو ولي الأمر والذي من حقه إهدار الدماء وظلم البشر وبالذات المسلمين، وليس أمام المسلم إلا السمع والطاعة..
لقد جعلوا من الدين الإسلامي أداة هدم لكلّ حركة نهوض في الأمة واستحقوا لقب: قاطرة الجهل والتخلف.
لقد اشغلوا الناس في إثارة مواضيع هامشية مختلف عليها بين معظم الأئمة وتركوا الأولويات لإشغال المجتمعات العربية في ما لا طائل منه ولإثارة الجدل في الردّ عليها والغوص في جوازها وعدم جوازها.
وفي المقابل تجاهلوا فقه الجهاد بالكامل ودور الأمة وواجباتها وواجبات العلماء والمشايخ قبل غيرهم في نصرة المسجد الأقصى وسكتوا وتواطأوا مع الحكام في تخريب البلاد وإهدار موارد الأمة وقبل ذلك وبعده الامتناع عن مجرد الحديث عن الجهاد ضدّ دولة الاحتلال، وتجاهلوا الوجوب القطعي للجهاد وتحرير الأقصى وإزالة خطر كيان الاحتلال على الأمة والذي لا يقتصر على فلسطين فقط.
أخيراً وليس آخراً، فإنّ المشايخ المذكورين لم يجدوا حيطة واطية ليتكلموا ويتفلسفوا ويستأسدوا عليها ويتعرّضوا لها بالتشكيك غير المقاومة والشعب الفلسطيني لتبرئة أنفسهم مما يحدث وأنهم نصروا قضية فلسطين كذباً وزوراً.
لكلّ صاحب قلم وفكر ومثقف يجب تحليل وفهم الأحداث والتاريخ للوصول للحقيقة، وأختم برأي المفكر العربي «السني» الأستاذ طارق سويدان، والذي قال «إنني كنت أحمل فكراً ورأياً مشوّهاً جداً عن الشيعة لأنني قرأت عنهم من كتب علماء السنة ومن كتب غلاة علماء السنة، وعندما قرأت كتبهم تغيّر الأمر لديّ تماماً ووجدت أنّ المذهبين متماثلين في معظم الجوانب وأنّ الخلاف بينهما أقلّ بكثير من المتفق عليه.