ما تخافوش
خلال الشهر الماضي وما شهدته مدينة القدس والأحياء العربية فيها بصورة خاصة من مواجهات، ظهر أن الشباب الفلسطيني في القدس والأراضي المحتلة عام 48 الذي يُعرف بالجيل الثالث، أي الجيل الذي ولد في ظل الاحتلال، يُسقط الرهان على الأسرلة التي شكلت خياراً عمل عليه الكيان ضمن خطة تذويب القضية الفلسطينية والهوية العربية للسكان الأصليين للمناطق المحتلة، واستثمر الكيان الزمن الفاصل منذ مسيرة التفاوض واتفاق أوسلو لتوفير فرص التغاضي عن خطته والاستفراد بأبناء القدس والمناطق المحتلة عام 48.
الذين نهضوا بالانتفاضة الفلسطينية الجديدة التي أسست لجولة الحرب الأخيرة وعنوانها القدس، هم شباب وصبايا فلسطين الذين ولدوا بعد الانتفاضة الأولى، ورافقوا وهم صغار انتفاضة الأقصى وانتصار جنوب لبنان عام 2000، وواكبوا مسار التفاوض البائس، ومسار التطبيع المشين، وأحداث المنطقة سواء في سورية أو في ظهور محور المقاومة، ومقابله تحالف يجمع حكومات الخليج وكيان الاحتلال تحت عنوان الخطر الإيراني المشترك، فقرّروا ودون امتلاك أدوات حزبيّة، ودون الانتماء للتشكيلات السائدة فلسطينياً، وفي مواجهة دعوات للانضواء تحت سقف اللعبة الداخليّة للكيان، عبر انتخابات الكنيست وقبول هوية «عرب إسرائيل»، كما تفرض حصيلة أية تسوية وفق حلّ الدولتين، ستكون أحياء بعيدة عن القدس تحمل تسمية القدس كعاصمة لها، مثل حي أبو ديس، ولن يكون لأبناء مناطق الـ 48 اي مكان فيها، وشق خيار هذا الجيل طريقه وفرض حضوره، وصار عنوان الحدث.
جوهر سياسة الكيان تجاه هذا الجيل قام على الترغيب ومشروع الدمج والتذويب، وقد فشل فشلاً ذريعاً، فقد تكفلت الطبيعة العنصرية للكيان ومشاريع التهجير والاستيلاء على المنازل والأراضي، والإبعاد عن الوظائف، والتضييق في المعاملات الرسمية، عناصر تذكير مستمرة بالاحتلال، وبالهوية الفلسطينية بالمقابل، بينما ظهر بوضوح فشل أي رهان على حماية أو إنجاز يمكن أن تحققهما المشاركة في الانتخابات، وسقف ما بلغته هذه الانتخابات هو توفير حجر شطرنج يمكن التلاعب به في التحالفات الحكوميّة في الكيان، يتمّ حذفه فور انتهاء ترتيب اللعبة، فقرر هذا الجيل خوض المواجهة في الشارع بالصوت والكلمة، مستفيداً من ثورة المعلوماتيّة والاتصالات، ومن كفاءات ومهارات لغويّة وتواصليّة أتقنها الشباب والصبايا الفلسطينيون يخاطبون العالم على مدار الساعة شارحين قضيّتهم وعدالتها.
جاءت المواجهة الأخيرة لتكشف طبيعة الحرب على الوعي، والمعادلة التي صاغها الجيل الثالث بمواجهة معادلة بن غوريون القائمة على زرع الخوف، هي الكلمة التي قالتها الناشطة منى الكرد التي مثلت رمزاً لشباب حي الشيخ جراح في القدس لحظة اعتقالها، «ما تخافوش»، وبعد حرب الأيام العشرة وإعلان السيد حسن نصرالله أن القدس تعادل حرباً إقليمية، زادت ثقة هذا الجيل بأنه يُمسك مفاتيح الحرب في المنطقة. ومن خلال هذا الإمساك بمفاتيح الحرب، تستنفر واشنطن على مدار الساعة لتتابع كل حدث، ويستنفر بنيامين نتنياهو ومن خلفه المستوطنون والمتطرفون لخوض معركة القدس بتصعيد الاعتقالات والتحضير لمسيرة الأعلام الصهيونية في القدس، أملاً بتفجير المنطقة، وتصير بيد هذا الجيل دفة القيادة على معادلات إقليمية ودولية، لتنتصر معادلة «ما تخافوش».