الصراع الأميركي – الإيراني مفتوح!
} د.وفيق إبراهيم
لقاءات فيينا الأميركية – الإيرانية لم تسفر حتى اليوم عن أية تهدئة بين الفريقين المتحاورين بشكل يحقق أحدهما ما يريده.
الأميركيون مصرّون على تجميد التقدم الإيراني ومنعه من بناء شبكة سلاح نووي مع الحدّ من أي تقدم عسكري متنوّع لها مرتبط بازدهار اقتصادي قد يدفع إيران نحو مواقع مشابهة كحالتي روسيا والصين.
لماذا هذا الرفض الأميركي لأي تقدّم إيراني قد لا يكون بوسعه تجاوز «إسرائيل» وأوروبا؟ ما يخشاه البيت الأبيض هو ان يرتبط النمو الإيراني بحالة تحالف عميقة مع روسيا والصين فيتشكل بذلك محور سياسي – عسكري اقتصادي كبير قد يكون بوسعه ضم معظم بلدان الشرق الاوسط اليه، بالتحلق حول محور سورية قلب المنطقة العربية الممتدة من البحر المتوسط وحتى عمق الجزيرة العربية، وهذا المحور متمكن ايضاً من جذب العالم العربي بأسره إذا جرى دعمه من روسيا والصين، ولن يتأخر عن الاتفاق مع المحور الاوروبي – الياباني بالاضافة الى العمق الصيني – الروسي اذا توصلت إيران الى مكانة الدولة النووية الصناعية الراسخة.
لجهة بلاد فارس فلديها عميق الاعتقاد انها دولة قديمة ومتجذرة في محور جغرافي تاريخي يربط بين آسيا الوسطى والشرق الاوسط ولديها من الامكانات ما يساعدها على التحول دولة كبرى في اطار عالم اسلامي يحتاج إليها وآخر غير إسلامي يُصرّ على التحالف معها لسعة إمكاناتها.
فلماذا يعترض الأميركيون اذاً على التطوّر الإيراني ويهابونه؟
أولاً يخشون من ولادة الحلف الروسي الصيني الإيراني الوبيل والمخيف على مسار الأحادية القطبية الأميركية أو على الأقل قد تدعم هذه الولادة مسألة ضخ روسيا والصين بإمكانات منافسة للحلف الأميركي – الأوروبي.
ثانياً يخاف الأميركيون على حلفائهم في بلاد النفط في شبه الجزيرة العربية والعراق مرتعبين أيضاً من انتشار النفوذ الفارسي في معظم بلاد العالم الإسلامي وذلك بالاستعانة بالتطور الاقتصادي والامكانات المادية الواسعة ودور الصين وروسيا في بيع السلاح لهذه المناطق المحسوبة على الأميركيين والأوروبيين.
ثالثاً يشعر الأميركيون ان وضع «اسرائيل» المتفوق في الشرق الاوسط لن يبقى على حاله مع إيران قوية عسكرياً واقتصادياً ومتمكنة على مستوى التحالفات، فمع هذا الصعود الفارسي قد تصبح «اسرائيل» دولة من الدرجات الدنيا وقابلة للاختراق والانهيار. وهذا يؤدي تلقائياً الى تضعضع الدور الأميركي – الاوروبي في بلاد الشام والشرق الاوسط لمصلحة صعود الأدوار الإيرانية الروسية الصينية والسورية حكماً، انما على ماذا يراهن الأميركيون لخلخلة المشروع الإيراني؟
يحاولون منع ولادة الحلف الإيراني مع روسيا والصين مع عرقلة رحلة إيران نحو امتلاك سلاح نووي وضرب نظم تحالفاتها مع لبنان وسورية والفلسطينيين وربما بلدان أخرى، والاتجاه الى تفكيك علاقاتها بباكستان وافغانستان والهند مع البحث عن نقاط خلافات تضرب خطوط التقائها بكل من الصين وروسيا وإبعاد أية علاقة لها بأوروبا؛ اي تحقيق عزلة كاملة لها في محيطها المباشر مع الجوار الأبعد.
المطلوب اذاً من الجهة الأميركية القبول بالأدوار الصينية – الروسية، أميركياً وهي ادوار محدودة وفيها الكثير من التناقضات وربما اكثر من التفاهمات الممكنة.
بذلك يبقى العالم رهن الأحادية القطبية الأميركية بدعم اوروبي – ياباني عربي نفطي وكندي.
بالمقابل ماذا تريد إيران؟ تشعر بلاد فارس ان امكاناتها تؤهلها لتحقيق مستوى متقدم من وضعية الدولة القائدة القادرة على قيادة مناطق خصوصاً ان العالم الاسلامي متراجع الى درجات مخيفة، ومسروقة امكاناته وثرواته حتى اشعار سياسي آخر. وليس لدى الفرنسي اي نيات للسطو على امكانات الدولة الاسلامية بقدر ما تريد التعاون معها لدحر الأميركيين من مناطقها. فهل هذا ممكن؟
هناك محور سوري – إيراني مع حزب الله يتمتع بقوة عسكرية او جغرافية سياسية من النوع الشديد التمكن ومن غير الممكن تدميره كما يحلم الأميركيون والاسرائيليون لأنه أصبح بناء شعبياً واسعاً له امتداد عسكري شاسع وبإمكانه إلحاق الأذى بالمعتدين من اي نوع كانوا.
يتبين بالاستنتاج ان الصراع الأميركي – الإيراني هو في عمقه من فصيلة الصراعات الدولية التي تجذب الصين وروسيا واوروبا ولن تبقى سورية مكتوفة اليدين في معركة تعرف أنها نطاقها، وهي متأكدة ان لا غنى عن مقاومة المد الأميركي بالتحالف مع الإيرانيين والروس والصينيين لوقف هذه الهمجية الأميركية التي تضرب الشرق الاوسط عند اكثر من 80 عاماً ونيفاً.