السيد نصرالله وخريطة طريق لبنانيّة
ناصر قنديل
– في كلمته بمناسبة العيد الثلاثين لقناة المنار رسم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله خريطة طريق لبنانية، على الصعيدين السياسي والعملي، مقدّماً تصوراً لمرحلتين مختلفتين، الأولى هي مرحلة الأمل بقدرة الدولة على استعادة قدر من الحضور والعافية في مؤسساتها لتشكل عنوان التصدي للأزمات المزمنة وأعراضها المؤلمة، والثانية هي مرحلة اليأس من عودة العافية والحضور لمؤسسات الدولة، ودخول الأزمة مراحل شديدة القسوة في تداعياتها على اللبنانيين وتهديدها بمخاطر لا يمكن قبول الصمت تجاهها.
– في المرحلة الأولى وضع السيد نصرالله، أربعة عناوين، الأول هو اعتبار قيام حكومة جديدة المدخل الرئيسي لأية معالجة، داعياً لعدم ربط المساعي لهذا الهدف بمهل زمنية على قاعدة أن لا بديل عنه، ويجب ان لا تصل المساعي لحائط مسدود، وطالما أن لا بديل عن هذا العنوان فيجب استمرار الجهود بهدف تذليل العقبات من أمام ولادة حكومة جديدة وحث المعنيين بتخطي الشروط والشروط المضادة وتقديم التنازلات المتبادلة لأن اليأس من تشكيل حكومة جديدة يعني عملياً اليأس من استعادة الدولة لحضورها والتسليم بعجزها عن القيام بمسؤولياتها، وهذا لا ينقلنا الى بديل آخر في قلب المرحلة الأولى، بل يأخذنا الى المرحلة الثانية التي يشكل اليأس من قيام الدولة بمسؤولياتها عنواناً لها. وهنا استبعد السيد نصرالله كل البدائل والرهانات والتساؤلات، من نوع الانتخابات النيابية المبكرة أو التمديد للمجلس النيابي الحالي، ليضع بوضوح معبراً سياسياً إلزامياً للحفاظ على الدولة ومؤسساتها، هو قيام حكومة جديدة، يرتب استبعاده تسليماً بالفشل العام واليأس من الدولة ويدخلنا مرحلة جديدة كلياً على كل المستويات.
– في هذه المرحلة التي تشكل فيها الدولة محور الرهان والسعي طرح السيد نصرالله مهامَّ راهنة تخفف معاناة اللبنانيين، منها ما تستطيعه حكومة تصريف الأعمال، ومنها ما يترتب على الحكومة الجديدة القيام به إضافة للمهام المطلوبة من حكومة تصريف الأعمال. المهمة الأولى التي ركز عليها السيد نصرالله هي تأمين السلع الأساسية والأدوية والمحروقات، التي أكد أنها موجودة في مستودعات المحتكرين، داعياً الدولة لاستنفار مؤسساتها الإدارية وأجهزتها الأمنية لملاحقتهم، مجدداً الاستعداد لرفد عشرين ألف متطوّع للمساهمة بمراقبة الأسواق وملاحقة المتحكرين إذا كان ضعف الدولة عائداً لنقص العديد اللازم للمهمة، والمهمة الثانية هي تخطي الدولة للجبن السياسي المحكوم بمحاباة الأميركيين ومراضاتهم على حساب لبنان واللبنانيين، والمسارعة للتعامل بجدية مع العرض الإيراني الذي لا يزال قائماً، لتأمين المحروقات بالليرة اللبنانيّة، ما يوفر هذه السلع الحيوية للبنانيين بأسعار معقولة، ويخفف الضغط الكبير الذي تشكله كلفتها على مخزون العملات الصعبة لدى مصرف لبنان، أما المهمة الثالثة فهي الإسراع بإقرار البطاقة التمويلية المحالة بمشروع قانون من حكومة تصريف الأعمال الى المجلس النيابي، وتشكل عوناً لثلاثة أرباع مليون أسرة لبنانية في مواجهة الأوضاع الصعبة، على أن يكون نقاش الحلول الجذرية في الحكومة الجديدة، خصوصاً في ما أشار إليه من خطط صندوق النقد الدولي ومترتباتها.
– في حال اليأس من قيام الدولة ومؤسساتها بالمسؤوليات التي تفرضها الأزمة وتداعياتها، وهذا له مؤشران كما يشير كلام السيد، الأول الفشل في تشكيل حكومة جديدة قبل انهيار الدعم، والثاني عدم مبادرة حكومة تصريف الأعمال للقيام بالمهام المطلوبة لتخفيف المعاناة في ظل الأزمة، وبالحد الأدنى المهام المذكورة، في هذه الحالة تحدّث السيد نصرالله عن مرحلة جديدة كلياً يدخلها لبنان، لها سماتها التي تتخطى الشأن الاقتصادي، لكن التعامل معها لن يكون بأدوات المرحلة الأولى، ولا بالاستسلام، فاتحاً الباب للمرة الأولى لما يمكن أن تقوم به المقاومة، كمثال بإشارته الى استقدامها بواخر المحروقات من إيران إلى المرافئ اللبنانية، متحدياً أن يقوم بأحد باعتراضها، وهو ما يمكن ألا يكون محصوراً بالمحروقات وحدها، فما يمكن أن يجري في هذا المجال قابل لأن يجري مثله في المواد الغذائية والأدوية، وسواها من ضرورات العيش التي يكون لبنان قد دخل الى مرحلة فقدانها من الأسواق.
– الذين يراهنون على إسقاط لبنان بأمل أن يسقط على رأس المقاومة بعضاً من شظاياه، مدعوون للتمعّن في كلام السيد نصرالله، لأنهم في المبالغة بإقفال الطرق أمام قيام الدولة بمسؤولياتها أمام شعبها، يفتحون الطريق لتغييرات جذرية ستترك بصماتها على صورة لبنان ونظامه السياسيّ وموقعه الإقليميّ.