هل يتمكّن «السيّد» من استيراد النفط؟
} د.وفيق إبراهيم
استيراد النفط للزوم اللبنانيين لا يجب أن يكون مسألة مثيرة لاستيلاد صراعات داخليّة عميقة.
فهناك حاجة وطنيّة لاستهلاك كبير لهذه المادة، على أساس أنها غير موجودة في الداخل اللبناني. وهذا يتطلب استيرادها من بلدان صديقة او حليفة او الاثنين معاً.
يبدو هنا أن هناك ضغطاً على لبنان لربط مستورداته النفطية بسياساته الإقليمية والخارجية والداخلية بما يؤدي الى حشر حزب الله في بؤرة ضيقة تقطع بينه وبين حليفه الإيراني والسوري وتعاود ربطه بالطرف السعودي بشكل آلي غير قابل للنقاش.
فهذه السعودية تتدلل وتتدلّع لتطلب من لبنان إعادة إنتاج سياسات داخلية معادية لمحور إيران وسورية وحزب الله. وهذا لم يعد ممكناً بسبب السياسات الكبيرة التي أصبح حزب الله يؤديها في أدواره التحالفية مع إيران وسورية وقتاله “إسرائيل”.
فكيف يمكن اذاً للبنان ان ينتج سياسات معادية للحزب وأحلافه بالاتكاء على المحور الأميركي السعودي وبالرهان على ضغوط “إسرائيل” لم تعد تشكل قيمة وازنة او ما يعادلها.
لبنان اذاً مهدّد بقطع النفط منه وحجب الكهرباء عنه بما يؤدي الى انقطاع الكهرباء وحركة التسيير الصناعي الكهربائي وضرب بنية الإنتاج بالكهرباء.
فكيف يترك سيد المقاومة حسن نصرالله هذا التدهور التدريجي الذي قد يتمدّد محدثاً صراعات داخلية قد تؤذي حزب الله في علاقاته بالمواطنين وفي تماسك الدولة التي قد تتجه مع انقطاع الكهرباء الى واقع مزرٍ. هذا بالإضافة الى المجتمع المدني نفسه الذي لن ينجو بالتأكيد من انهيارات كارثيّة فتتعطل حركة الإنتاج ويصبح لبنان بحاجة للمديين الغربي والخليجي بكل سيئ تقريباً، فيجيء اعتقال سياساته ضمن المفاهيم الغربية واستعمالها لمناوشة سورية وإيران وحزب الله نفسه.
هذه الوضعية الثقيلة الوطء تقلق السيد الكبير الذي يعرف أن سياسات حزبه مستهدفة، بشكل تشمل المحور الذي ينتمي إليه وتتحالف معه، وهذا يدفعه للدفاع عن الساحة اللبنانية باعتبار أنه الطرف الأقوى فيها على كل المستويات ولا تستطيع قوى الداخل مجابهته إلا بدعم أميركي إسرائيلي قد لا يكون كافياً لقتاله في كثير من الأوقات.
هذه الوضعيّة أفهمت السيد حسن أنه بحاجة لتأمين استيرادات غذائية ونفطية الى جانب الحماية المسلحة المتمكنة كي يخبر اللبنانيين وبصوت عالٍ أن تمكُّن حزب الله هو اقتصادي وسياسي وعسكري في آنٍ معاً.
لذلك لم يتأخر أبداً في إطلاق تعهداته باستيراد النفط من إيران وربما العراق.
لا بأس هنا من الإشارة الحكيمة الى أن السيد اطلق استعدادته حول استيراد البنزين في حركة واثقة منه ليمنع الأميركيين والسعوديين من التمادي في الضغط على لبنان وتهديده بإيقاف تصدير النفط إليه، فلربما كان أبو هادي يدفع نحو إعادة تحديد هذا الاستيراد من الغرب او شبه جزيرة العرب تأكيداً منه أن هذه الأطراف لن تقبل بترك السياسات اللبنانية تحت مرمى الأحلاف الإيرانية – السورية لأنه متعمّق في مدى تمسك الغرب وعرب الخليج بلبنان السياسيّ. وهو يعرف أن هذا الغرب ومعه شبه الجزيرة لن يتوانوا عن دعم حروب داخليّة لبنانيّة ضروس للمزيد من تطويق حزب الله وسياساته.
هناك إذاً نقطتان متناقضتان: اولاً السيد مستعدّ لاستيراد الوقود من إيران والعراق والغرب مستعدّ لرفض هذه المبادرة للمزيد من الإمساك بالسياسات اللبنانيّة وإبعادها عن المحاور الإيرانية – السورية، هنا تكمن اللعبة المتمحورة حول أن أبا هادي ليس شديد التمسك بالاستيراد، لكنه يهدّد الغرب والسعودية باستيراد النفط وربما غيره لأنه لا يريد تدمير لبنان كما يريدون. أو يسعى لتأمين استقرار داخلي لبناني يحاول الغربيون والسعوديون التلاعب به لزعزعة وضع حزب الله وحليفيه السوري والإيراني ومعظم القوى المتحالفة معه في الداخل اللبناني والعربي.
فما هي النتيجة المرتقبة لهذا الصراع؟
يبدو أن السيد متأكد من عودة الغرب والعرب الى دعم لبنان اقتصادياً وسياسياً، وذلك للحد من الهيمنة الإيرانية والسورية، وهذا الحلف الغربي – العربي متريث ينتظر ثمرة اللقاءات الاميركية – الروسية والاستقرار السعودي كي ينظم حملة بوسعها رعاية الأمان اللبناني ضمن حدود مقبولة.
إنما ما هو مهم هنا، ان القوى اللبنانية الداخلية عاجزة عن مجابهة حزب الله لا في صراعه مع “إسرائيل” ولا في وضعيته الداخلية القوية، وهذا يعني انبثاق حالة توازن داخلية تجعل الغرب لاعباً أساسياً في رعاية الفتنة الداخلية اللبنانية، لكنها عاجزة عن ضرب الدورين الإيراني والسوري في لبنان، وذلك استناداً لحلفهم مع حزب الله الطامح دائماً لأن يكون قطعة أساسية من الحركة الأساسية في الإقليم، وهذا أمر ممكن تؤكد التطورات المختلفة التي يمسك بها الحزب يومياً.