الحسم خلال أسبوع إما حكومة أو اعتذار… هل يقطع “السّعد” حبل الصرّة مع “الممّلكة”؟
} محمّد حميّة
حرّكت رسائل السيد حسن نصرالله المياه الراكدة في المشهد السياسي الداخلي. فعلاوة على أنها أعطت دفعاً لمبادرة الرئيس نبيه بري التي ترنّحت مؤخراً بسبب التعطيل المتبادل من فريقي التأليف، فهي أيضاً “حشرت” المعنيّين بتأليف الحكومة في آنٍ معاً، وسرّعت بحسم خيارات الجميع، وإلا فإن السيد نصرالله سينتقل إلى مرحلة أخرى تتسم بعلاج التعطيل الداخلي وفك الحصار الاقتصاديّ والماليّ والنفطيّ الخارجيّ المفروض على لبنان منذ سنوات عدة.
فرسائل الضاحية تطايرت إلى أكثر من اتجاه. فهي أسندت عين التينة وتكاملت معها ودفعت بالنائب جبران باسيل إلى إبداء ليونة لافتة في اللقاء الذي جمعه و”الخليلين” والحاج وفيق صفا في دارته في البياضة مساء الثلاثاء الماضي. كما تلقف الأميركيون الرسالة وأعطوا الضوء الأخضر للحكومة العراقيّة للإفراج عن “بواخر النفط الخام” للإبحار إلى لبنان بعدما تعطّل القرار عدة أشهر بـ”الفيتو” الأميركي الذي ألغى أيضاً زيارة الرئيس حسان دياب التي كانت مقررة إلى بغداد.
فمواقف السيد نصرالله التي حملت في طياتها تهديدات مباشرة يفهمها المعنيون، دفعت بأطراف الخلاف – بعبدا – بيت الوسط لإعادة حساباتهم. وبحسب مصادر مطلعة على المشاورات الحكومية فإن “لقاءات مكثفة تجري بعيداً عن الإعلام منذ مساء الثلاثاء وحتى الآن على مستوى “الثنائي” – باسيل وعلى مستوى رباعي أمل – حزب الله – التيارين البرتقالي والأزرق لتذليل العقدة المسيحية.
فالعهد وتحديداً باسيل بات مطوقاً بمعادلة رسمها “الثنائي”:
– التمسك بالحريري حتى الساعة.
– رفض مجاراته بالاستقالة من المجلس النيابي وإسقاط البرلمان ما يعني عدم قدرة العهد على سحب التكليف من الحريري.
– رفض الانتخابات النيابية المبكرة.
– عدم الاستمرار بدعم شروط باسيل “التعطيليّة” لدفع الحريري للاعتذار.
لذلك وبحسب معلومات “البناء” أبلغ باسيل “الثنائي” في الاجتماع الأخير استعداده الموافقة على أي حل لعقدة الوزيرين المسيحيين يراعي التوازن الطائفي وتناسب الصلاحيات من خلال طرح أسماء توافقية لا تمت بصلة لأي من طرفي الخلاف. لكن باسيل ترك موضوع منح الثقة ضبابياً. علماً أن مصادر مطلعة توقعت أن يقدم الرئيس بري وحزب الله ضمانة للحريري بأن يمنح باسيل بشكل ما الثقة للحكومة بعد إعداد البيان الوزاري. ومن المخارج أن يترك باسيل الحرية لنواب التكتل للتصويت على الثقة.
ووفق ما يشير مطلعون في التيار العوني لـ”البناء” فإن “رئيس الجمهورية وباسيل غير متمسكين بتسمية الوزيرين المسيحيين، لكنهما يرفضان أن يسمّيهما الحريري، وبالتالي لا مشكلة بالاتفاق على أسماء مستقلة توافقية من أصحاب الاختصاص والكفاءة والخبرة”. ويلفتوا إلى أن “البطريرك الراعي رفض الدخول بتسمية مرشحين محسوبين عليه”. لكن المطلعين خرجوا باستنتاج بأن الحريري يتهرب من التأليف لأسباب خارجيّة تتعلق بعلاقته مع السعودية، ويرمي تهمة التعطيل على عون وباسيل من خلال تقصّد التمسك بتسمية الوزيرين المسيحيين لعلمه المسبق برفض بعبدا لهذا الأمر الحساس لدى الطائفة المسيحية”.
إلا أن “زلزال” السيد نصرالله سرّع مرحلة الحسم بعد أن كان كلا الطرفين يراهن على لي ذراع الآخر وتنازله أو على استكمال مسار الحلول في المنطقة لا سيما العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران وانعكاسها إيجاباً على إخراج التسوية اللبنانية من عنق الزجاجة.
وإذا كان العهد محرجاً لأسباب عدة، فإن الخيارات ضاقت أمام بيت الوسط. فأمام رسائل “حارة حريك” والواقع المعيشيّ والماليّ المتّجه تدريجياً نحو الانهيار الشامل، لم يعُد لدى الحريري سوى التأليف أو الاعتذار. فلم يعد بإمكانه خطف مفتاح التكليف في جيبه أكثر من أسبوعين لأنه سيفقد آخر حلفائه في المعركة أي الرئيس بري بعدما فقد الراعي ورئيس الاشتراكي وليد جنبلاط، كما أن حزب الله بات قاب قوسين أو أدنى من البحث عن خيارات بديلة.
ومن المنتظر أن يبلغ الحريري أجوبته على المقترحات التي كانت موضع اتفاق بين “الثنائي” وباسيل في اللقاء الأخير. فهل يوافق وتبصر الحكومة النور؟
فعقدة الوزيرين المسيحيين، بحسب المطلعين، ليست سوى واجهة لإخفاء عجز الرئيس المكلف عن التأليف في ظل موقف المملكة منه… فهل يلعب “الشيخ” صولد وأكبر مع السعودية ويقطع حبل الصرة معها نهائياً ويُقدم على تأليف حكومة من دون موافقتها؟ لا سيما أن جهات سياسية في محور المقاومة تفيد بأن أكثر من رسالة سعودية وصلت إلى المحور الإيراني – السوري – حزب الله مفادها أن المملكة بحلٍ من الحريري، وما تعويم خيار السفير السابق نواف سلام كمرشحٍ لرئاسة الحكومة وتسويقه إعلامياً على قناة “أل بي سي” في برنامج يُعبّر بشكلٍ أو بآخر عن الموقف السعودي في لبنان، إلا دليلٌ على الرفض السعودي للحريري.
وفي ظل هذه الوقائع معطوفة على المعلومات التي تحدثت عن ترحيل ستة آلاف موظف في شركة “سعودي أوجيه” محسوبين على تيار المستقبل التي تعكس إشارة إلى ما ستكون عليه السياسة السعودية تجاه أي حكومة يرأسها الحريري. ترجّح مصادر مطلعة خيار اعتذار الحريري عن تأليف الحكومة لأساب عدة: أبرزها صعوبة المساكنة والتعايش مع العهد بعد حفلة الشتائم الأخيرة التي قطع الحريري خلالها “شعرة معاوية” مع عون. إضافة إلى أن أية حكومة برئاسة الحريري غير مؤكد أنها ستحظى بالدعم الغربي والخليجي في ظل الموقف السعودي الحالي ما يعني لا حلول للأزمات المتراكمة وبالتالي لن تصمد الحكومة أمام هول الأزمات والغضب الشعبي في الشارع، لا سيما إذا ما رضخ الحريري وأغلب الوزراء لشروط صندوق النقد الدوليّ القاسية كرفع الدعم وتحرير سعر صرف الدولار.