القضاء وأذن الجرّة والسفارة
قضية العميل جعفر غصبوني تكرّر مشهد عامر فاخوري، عميل يدخل لبنان بجواز سفر أميركي ويتم توقيفه ثم الإفراج عنه بقرار قضائيّ تم تركيبه على طريقة ما يركب الفاخوري أذن الجرة، بناء على طلب السفارة الأميركيّة.
سيقول القاضي الذي أصدر القرار أنه لم يتلق أي اتصال سبق إصدار قراره، كما قال الذين أفرجوا عن عامر فاخوري أول مرّة ثم دبّروا خروجه وسفره آخر مرة، لكن خروج الفاخوري كشف سلفاً خروج غصبوني، فالطوافة الأميركيّة كانت حاضرة لنقله من السفارة، وكلمة السر في ترك غصبوني مع جواز سفره الأميركي.
لا أحد يطلب من الموظفين الكبار في الدولة قضاة وعسكريين أن يعرّضوا أنفسهم وعائلاتهم لضغوط تهدد بها السفارة من لا يمتثل للأوامر، ونسمع المعزوفة ذاتها منهم، أولادي يدرسون في أميركا، ولديّ كل جنى العمر في بنك أميركي لتغطية نفقات تعلّمهم، ولهؤلاء نقول، حسناً ورغم أن المسؤولية التي تتحملونها تعني القيام بواجب وطني وإنساني يحكمه القانون والضمير فقط، سيتفهم أهل الشهداء والأسرى أسبابكم لو قام كل من لا يستطيع تحمل الضغوط بينكم بالتنحّي فور إحالة قضيّة من هذا النوع أمامه، أم أن تتخذوا قرارات كالتي صدرت في قضية الفاخوري وقضية غصبوني فأنتم تضعون أنفسكم أمام ضغوط من نوع آخر، فستوصفون بالعمالة، وتنعتون بالخيانة، وسيلطَّخ تاريخكم بالعار، إن كانت هذه الأوصاف التي تمسّ سمعتكم وتاريخكم تعنيكم.
السؤال برسم المراجع القضائيّة العليا، وقد صار تكرار هذه الظواهر لافتاً للانتباه، كأنه ضمن خطة تريد من جهة تفعيل دور العملاء مجدداً على الساحة عبر طريقة تبييض الأموال، أي إدخالهم الى لبنان بجوازات سفر أميركية وحمايتهم من الملاحقة، ومن جهة ثانية تطبيع فكرة العمالة وإسقاط صفة التحريم عنها، فيصير العميل صاحب وجهة نظر، وتصير جرائمه مجرد أفعال مضى عليها الزمن.
الحملة التي يقودها الأسرى المحرّرون في قضية غصبوني لا يجب أن تكرّر ما حدث في قضية الفاخوري، وهذا يعني أن على القوى الوطنية من دون استثناء أن تلقي بثقلها في المعركة، قبل أن نشهد العملاء يترشّحون للانتخابات بعد أن يصير تحرّكهم في البلد بلا مساءلة أمراً طبيعياً، وربما قبل أن يحاكم الأسرى والشهداء.