أولىمقالات وآراء

الانهيار تكامَل… واللبنانيّون في قاع الكارثة مِن أين يبدأ الإنقاذ ومَن يبادر وكيف؟

 د. عصام نعمان*

لا جدال في أنّ الانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمؤسسيّ تعاظَم وتكامَل حتى بات لبنان واللبنانيون في قاع الكارثة. إذ تعالت أصوات مطالبة بالإنقاذ والإصلاح، انبرى بعضٌ من أهل الشبكة الحاكمة، الفاسدة والمفسدة، متبنّين مخرجاً من الأزمة المستعصية قوامه تأليف حكومةٍ من اختصاصيّين غير حزبيين. لكنهم سرعان ما اختلفوا وتناحروا وأنفقوا أشهراً ثمانية ولم يفلحوا في تشكيلها. حتى لو أفلحوا، هل كان يُعقل أن يحارب الفساد فاسدون، وأن يعمّر ما قام بتخريبه مخرّبون؟

أخيراً، توصّل لبنانيون متعدّدو المشارب، متحرّرون من سطوة الشبكة الحاكمة، بمواليها ومعارضيها، وأخطبوط مصالحها الى قناعةٍ راسخة بأنّ المصدر الأساس لما نحن فيه من فساد وانقسام وانحطاط هو نظام المحاصصة الطوائفية، وان لا تغيير ولا إصلاح ولا بالتالي إنقاذ وخلاص للبلاد في ظلّ هذا النظام والقائمين على إدارته واستغلال اللبنانيين من خلاله.

   للخروج من حال الأزمة المزمنة والمستعصية يرى فريق من أهل الرأي متحرّر من سطوة الشبكة الحاكمة وأخطبوط مصالحها انّ المخرج مما نحن فيه يكون بتوحيد القوى الوطنية النظيفة المعارضة لنظام المحاصصة الطوائفية حول هدف رئيس هو «مواجهة عصابة الفاسدين والمفسدين وملاحقة زمرة العابثين بالدستور والقانون والقضاء، وبكرامة المواطنين» (د. عدنان منصور، «البناء» تاريخ 2021/6/10).

فريق آخر من أهل الرأي الأحرار يرى أن الهدف الاساس يجب ان يتركّز على توليد ضغط شعبي قوي لحمل أهل النظام على الرضوخ لمطلب تشكيل حكومة من اختصاصيين وطنيين غير حزبيين مهمتها معالجة الضائقة المعيشية المستفحلة بتأمين الغذاء والدواء والوقود والكهرباء والطبابة المدعومة من الدولة لأبناء الطبقة الشعبية بعدما أضحوا غالبية اللبنانيين.

ثمة فريقٌ ثالث من أهل التغيير والإصلاح في صفوف القوى الوطنية الديمقراطية ومناصري المقاومة ضدّ الكيان الصهيونيّ يرى أنّ ما يطالب به الفريقان الآخران صحيح وملّح ومشروع إلاّ أنه صعب التحقيق لكونه مشروطاً بتجاوب أهل النظام وأركان الشبكة الحاكمة ومؤسساتها الفاسدة، الأمر الذي يحول دون اتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق الأهداف المرتجاة.

مع ذلك، لا يجادل الفريق الثالث في مشروعية سعي الفريقين الأول والثاني لتحقيق ما يعتبرانه أولويات إصلاحية ملحّة بل يلتزم دعمهما في هذا السبيل بقدر ما يستطيع، إلاّ انه يجاهر بتميّزه عنهما بأمور ثلاثة:

الأول، انه لا ينظر الى أزمة لبنان المستفحلة كظاهرة قائمة بذاتها بل كجزء من تحدّ وهجوم شاملين يستهدفان قوى التحرر والمقاومة في منطقة غرب آسيا برمّتها.

الثاني، انه مع التسليم بضرورة تأمين الأولويات الاجتماعية الملحّة للطبقة الشعبية، إلاّ انه يقتضي ايضاً مواجهة قوى الهيمنة الأجنبية، لا سيما الأميركية والصهيونية منها، التي لا يتوانى حلفاؤها المحليون من أهل نظام المحاصصة الطوائفية عن التعاون معها لحماية نظامهم الفاسد.

الثالث، ان البلاد تواجه استحقاقين وطنيين مهمّين في المستقبل القريب: الانتخابات النيابية في شهر ايار/ مايو 2022، وانتخابات رئاسة الجمهورية في شهر تشرين الاول/ أكتوبر 2022. والمشكلة أنّ الاستحقاق الأول يكتنفه احتمالان مقلقان: ألاّ تجري الانتخابات لعدم توافر الحدّ الأدنى من الأمن ما يؤدّي الى قيام مجلس النواب الحالي بالتمديد لنفسه وبالتالي التمديد للشبكة الحاكمة الفاسدة، او ان تجري الانتخابات وفق قانون الانتخاب الحالي ما يؤدي، غالباً، الى إعادة انتخاب النواب الحاليين وبالتالي تمديد مفاعيل الأزمة الراهنة.

كيف يمكن تفادي هذه المحاذير والمخاطر؟

يرى قياديو الفريق الثالث انه، مع تسليمهم بضرورة دعم الفريقين الأول والثاني لتحقيق أولوياتهما المشروعة، ثمة استحقاق وطني استراتيجي ضاغط يقتضي الوفاء به بالسرعة الممكنة هو الخروج من نظام المحاصصة الطوائفية او تجاوزه سلمياً وديمقراطياً بغية توفير القدرة والفرصة للقوى الإصلاحية الجدّية من أجل تحقيق مهمة تاريخية بالغة الأهمية هي إنقاذ البلاد وإعادة بنائها دولةً ووطناً وذلك في سياق مواجهة قوى الهيمنة الأجنبية المتربصة بالقوى الوطنية الإصلاحية خدمةً لحلفائها المحليين من أهل نظام المحاصصة الطوائفية المعادين بشراسة للمناضلين في سبيل التغيير والإصلاح ودولة المواطنة المدنيّة الديمقراطيّة.

لتحقيق هذه المهمة التاريخيّة، تقتضي مبادرة القوى والأحزاب والهيئات الوطنية الملتزمة تجاوز نظام المحاصصة الطوائفية إلى مباشرة إجراءات عملية لتحقيق التغيير والإصلاح وبناء دولة المواطنة المدنية الديمقراطية باتخاذ التدابير الآتية:

أ ـ التغلّب على خلافاتها وتبايناتها بإقامة جبهةٍ او محورٍ له، مرحلياً، هدف رئيس هو تشريع قانون للانتخابات يكفل ديمقراطية التمثيل الشعبي وعدالته على الأسس الآتية: الدائرة الوطنية الواحدة، التمثيل النسبي، خفض سن الاقتراع الى الثامنة عشرة، تنفيذ المادة 22 من الدستور بانتخاب مجلس للنواب على أساس وطني لاطائفي ومجلس للشيوخ لتمثيل الطوائف يختصّ بالقضايا المصيرية.

ب ـ ممارسة ضغوط شعبية شديدة على التكتلات البرلمانية التي تمتلك الأكثرية في مجلس النواب ولها مصلحة في اعتماد قانون ديمقراطي للانتخاب على الأسس المنوّه بها آنفاً بغية مناقشته كمشروع معجّل (تقدّمه الحكومة) او كاقتراح (يقدمه النواب) وإقراره بالسرعة الممكنة.

ج ـ تحذير أهل السلطة جميعاً بأنّ عدم رضوخهم للمطلب الشعبي الإصلاحي الداعي الى إقرار قانون الانتخاب المنوّه به آنفاً سيؤدي الى تأجيج النقمة ضدهم، وبالتالي الى قيام القوى الوطنية الإصلاحية بإطلاق انتفاضة شعبية وعصيان مدني لحمل أهل السلطة على الرضوخ لمطلب إقرار قانون الانتخاب الديمقراطي في استفتاء شعبي.

د ـ دعوة الحكومة القائمة، أياً تكن، الى إجراء انتخابات نيابية على أساس أحكام قانون الانتخاب الجديد المفترض إقراره بغالبية لا تقلّ عن خمسين في المئة من أصوات المشاركين في الاستفتاء الشعبي.

ختاماً، لا غلوّ في التأكيد انّ الاعتراضات، وربما الاضطرابات، التي قد تنشأ في معرض المطالبة بإقرار قانون الانتخاب الديمقراطي باستفتاء شعبي ستكون أدنى تكلفةً بكثير من عدم إقراره واستمرار أهل الشبكة الحاكمة ونظام المحاصصة الطوائفية في تسلّطهم الآيل، عاجلاً او آجلاً، الى انفجار شعبي جارف واحتمال تفكيك البلد الى مجموعة كانتونات ومناطق حكم ذاتي تديرها أحزاب ومنظمات متنفذة خارجة عن إرادة ما يكون قد تبقّى من مؤسسات السلطة المركزية في العاصمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نائب ووزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى