حلّ قضية الاحتكارات وتأمين السلع الأساسية… الضرب بيد من حديد واعتماد الخيارات البديلة
} أحمد بهجة*
ليس الاحتكار مسألة جديدة، هو أمر يحصل منذ عرفت البشرية التجارة وبيع السلع وشراءها، كما أنّ محاولات منع الاحتكار ووضع حدّ له انطلقت منذ كانت وسائل المنع والملاحقة بدائية، ثم أتت الأنظمة السياسية الحديثة على اختلاف مراحلها وتوجهاتها لتمنع الاحتكار الذي يلحق الأذية بالمواطنين، ولتبقي على بعض الاحتكارات بيد الدولة نفسها، خاصة في القطاعات التي تحمل طابعاً حيوياً استراتيجياً مثل الكهرباء والمياه والهاتف وغيرها… لضمان وصولها إلى المواطنين جميعاً.
ولأنّ الاحتكار يصل إلى مستوى الجريمة، خاصة حين يتعلق الأمر باحتكار سلع أساسية لا غنى للناس عنها، مثل الأدوية والقمح والطحين والمواد الغذائية الأساسية والمحروقات وتحديداً البنزين والمازوت والغاز. لأنّ الأمر كذلك وضعت دول العالم قوانين متشدّدة جداً في مواجهة هذه الظاهرة التي لا تنتهي طالما وُجد تجّار طمّاعون لا يقيمون وزناً لأيّ اعتبارات دينية وأخلاقية وإنسانية ووطنية…
وحتى لا يبقى الكلام في الإطار النظري نذهب فوراً إلى الواقع اللبناني حيث تتوالد الأزمات من بعضها البعض، ويعاني الناس من انقطاع معظم السلع الحيوية الأساسية وتحديداً الأدوية والمحروقات وبعض المواد الغذائية كحليب الأطفال مثلاً…
السّبب في كلّ ذلك واحد… وهو تلاعب حاكم مصرف لبنان بموضوع الدعم بحجة نقص لديه في العملات الصعبة، وبحجة أكثر وقاحة هي عدم المسّ بالاحتياطي الإلزامي! ولو صدّقنا أنّ هذا الاحتياطي لا يزال موجوداً رغم أنّ هناك الكثير من الشكوك في هذا المجال، فإنّ المبالغ الهائلة التي تمّ المسّ بها حتى الآن، قبل الوصول إلى الاحتياطي الإلزامي، هي أيضاً أموال المودعين التي يُفترض أن تكون كلها محفوظة ومتوفرة حين يطلبها أصحابها… لكن ما حصل هو العكس حيث تبخرت المدّخرات بسحر ساحر بل بفعل فاعل معلوم وليس مجهولاً كما يروّج بعض السياسيين والإعلاميين ورجال الدين…!
ما يجب فعله في هذا المجال كثير وكثير جداً…
أولاً: التشدّد في منع الاحتكارات، والبداية من موضوع الأدوية والمستلزمات الطبية جيدة جداً ومشجعة، وهنا لا بدّ من توجيه تحية تقدير واحترام لوزير الصحة العامة الدكتور حمد حسن، الذي لا يكلّ ولا يملّ ويكاد يعمل 25 ساعة في الـ 24، وها هي تباشير نجاحه وكلّ فريق العمل في الوزارة واللجان المعنية في مكافحة فيروس كورونا حيث بدأنا نسجل في لبنان أرقاماً متدنية جداً، خاصة مع تزايد عدد الذين تلقوا اللقاحات، وعززت ذلك فكرة الماراثون في آخر كلّ أسبوع وفي كلّ المناطق…
وإذ نأمل أن يستمرّ هذا النجاح حتى نقضي نهائياً على الفيروس، نأمل أيضاً أن ينسحب النجاح على ملف مكافحة الاحتكارات وهو ما نرى بداياته مع المداهمات التي يقودها الوزير شخصياً.
ثانياً: حلّ أزمة المحروقات (البنزين والمازوت والفيول) ممكن جداً ومتوافر شرط أن يكون هناك مَن يتحمّل مسؤولية اتخاذ القرار الجريء لملاقاة طرح سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والاستفادة من العرض الإيراني السخي جداً والمتمثل بتزويد لبنان بحاجته من البنزين والمازوت والغاز واستيفاء ثمنها بالليرة اللبنانية، مما يوفر على الخزينة العامة حوالى ثلاثة مليارات دولار سنوياً يمكن استخدامها لتوفير سلع أخرى أساسية مثل الطحين والأدوية، علما أنّ إيران جاهزة للمساعدة في هذه المجالات أيضاً إضافة إلى عرضها المهمّ جداً والذي لا يزال قائماً وهو المتعلق باستعدادها لبناء محطات لتوليد الكهرباء كما فعلت في دمشق وحلب وغيرهما من المحافظات السورية، حيث أننا لو سرنا بما عرضته علينا إيران عام 2007 وأنشِئت معامل على الغاز لتوليد الكهرباء، لكنا وفرنا نحو 24 مليار دولار، ولما كنا وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم.
إذا حصل ما ورد ذكره آنفاً نكون قد وجدنا الحلول للمشاكل التي تشغل بال جميع اللبنانيين في هذه المرحلة، حيث تصبح المحروقات متوفرة بكثرة ولا يعود هناك أيّ حاجة للوقوف في طوابير الذلّ أمام محطات الوقود، والأمر نفسه ينطبق على الدواء وعدد لا بأس به من المواد الغذائية الأساسية كالطحين وحليب الأطفال… كما نكون قد أوجدنا الحلول المناسبة لأزمة الكهرباء.
بذلك نحلّ المشكلة الأهمّ وهي أننا لا نعود بحاجة إلى ما بقي من دولارات رياض سلامة خارج دائرة التهريب والهدر والصفقات.
وإضافة إلى ما تقدّم يصبح بالإمكان التفرّغ لحلّ أزمات أخرى يعاني منها لبنان، وفي الطليعة أزمة الاقتصاد بشكل عام والبحث عن سبل ومشاريع اقتصادية تحسّن الأوضاع وتنتشل البلد من هذه الهوة السحيقة التي انحدرنا إليها.