لبنان محادثات فيينا والأمل
} د. علي سيّد
منذ مطلع نيسان 2021، تستضيف العاصمة النمساوية اجتماعات اللجنة المشتركة حول خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني، من أجل تحقيق عودة الولايات المتحدة إلى الإلتزام بالإتفاق النووي، ورفع العقوبات الأميركية عن إيران، وإحياء الاتفاق النووي بالكامل.
الإتفاق مهدد بشكل جدي منذ انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 2018، وأعاد فرض عقوبات مشددة على إيران. ورداً على ذلك أوقفت إيران تنفيذ بعض التزاماتها الواردة في الإتفاق بشأن أنشطتها النووية.
مفاوضات فيينا الخاصة بالعودة للإتفاق النووي تشهد تقدماً ملحوظاً، وهناك إرادة حقيقية لدى كلّ الأطراف في التوصل إلى اتفاق. ويمكننا أن نلاحظ أنّ المفاوضات تدخل مرحلة جديدة وجدية، فالحلول العملية لم تعد بعيدة، وهناك انتقال في الصياغة والمباحثات من العبارات العامة إلى الإتفاق على خطوات محددة نحو الهدف.
الولايات المتحدة الأميركية لن ترفع العقوبات قبل التأكد من التزام إيران بالإتفاق النووي، وهذا بحدّ ذاته حجر الزاوية في المباحثات إذا ما علمنا بأن الجمهورية الإسلامية لا تمانع أبداً الإلتزام بنسبة التخصيب كما نص الإتفاق النووي طبعاً مقابل رفع الولايات المتحدة للعقوبات وبشكل كامل بالتزامن مع عودة إيران للإتفاق.
على هذه الخلفيات اتجهت الأنظار الى محطتين أساسيتين أولهما مؤتمر فيينا المخصص للبحث في الملف النووي الإيراني كما إلى المحادثات الثنائية التي شهدتها بغداد قبل شهر بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وسط سباق بينهما باعتبار انّ ما يمكن التوصل اليه يمكن ان يفتح الطريق الى الحلّ في لبنان او يسهل مثل هذا التفاهم إنْ صحّ انّ العوائق أمام تشكيل الحكومة خارجية أكثر مما هي داخلية بعدما ثبت ارتباط طرفي الصراع في لبنان بهذين المحورين.
بالرغم من تأكيد الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية على أنّ مفاوضات فيينا لا علاقة لها بأيّ ملف آخر سوى الملف النووي الإيراني وكيفية إعادة طهران الى طاولة المفاوضات ووقف نشر الصواريخ الباليستية خارج أراضيها ووقف أعمال التخصيب التي بلغت نسبة الـ 60 % باعتراف إيراني معلن وهو ما يتجاوز نسبة الـ 20 % التي تعهدت بها في اتفاق الـ «5 + 1» الموقع بينهم في 14 تموز من العام 2015.
الأزمة اللبنانية الحالية على المستويين الحكومي والسياسي هي مشكلة لبنانية بإمتياز وحلها يجب أن يكون على أيدي اللبنانيين أنفسهم وباعتراف كل الأطراف المحلية، ولكن من المؤكد أن تداعيات الإتفاق في حال حصل ستنعكس إيجابيات على لبنان لتعطيه بارقة أمل لينهض من جديد بعد هذا الإنهيار على كافة المستويات.
في لبنان يبقى الأمل معلقاً على نجاح إجتماعات فيينا بين أميركا – وإيران ما يسمح لفك الحصار المفروض على السلطة اللبنانية.
لا شك أن الوضع الإقتصادي في لبنان يحمل طابعين: الفساد المستشري والذي تتحمّل السلطة بكلّ مكوناتها مسؤولية ما آلت إليه الأمور، والحصار الذي تفرضه قوى الإستكبار العالمي وحلفائها في منطقتنا على محور المقاومة وطبعاً لبنان جزء أساسي في هذا المحور.
عندما يجلس طرفا الصراع على طاولة المفاوضات لإحياء الإتفاقية الموقعة في ما بينهم سنة 2015 فمن الطبيعي أن ينعكس هذا الإنفراج على دول المنطقة وخاصًة لبنان ووضعه الإقتصادي، فالحصار المالي ووقف المساعدات من الدول الصديقة وكذلك التصدير والإستيراد هي ليست محض صدفة بل بتوجيهات أميركية لإضعاف لبنان والمقاومة.
لقد بدأت أميركا تتراجع أمام إيران، فإضافة إلى تهديد إيران بالسير في المسار النووي إلى آخره، وتحريك أذرعها الطويلة والقويّة في الإقليم، أقدمت طهران على خطوة استراتيجية كبيرة بتوقيعها اتفاق تعاون استراتيجي واقتصادي وأمني مع الصين لمدة 25 عاماً وهو خرق مؤثر يجب التحسّب منه، وهو ما يفسّر الوعود الأميركية الجزلة لإيران وما شهدناه مؤخراً من رفع القيود عن بعض المسؤولين الإيرانيين، وهذا الأمر سيمتدّ إلى دول الإقليم ليشمل لبنان بالطبع.
إنّ مجرّد تصاعد الدخان الأبيض في محادثات فيينا من دون إغفال أهمية فتح القنوات بين إيران والسعودية، يعني أنّ المنطقة تتجه إلى نوع من التراجع في حدة التوتر والإستعداد للإنتقال إلى مرحلة جديدة تتسم بنوع من الإيجابية التي تساعد في اجتراع الحلول للمشاكل الموجودة وخاصًة على المستوى اللبناني.
إنّ العامل الزمني يلعب دوراً محورياً في محادثات فيينا حيث توجد رغبة في التوقيع على الإتفاق مع حلول شهر تموز أيّ بعد صدور نتائج الإنتخابات الرئاسية الإيرانية لتكون بمثابة فتح صفحة جديدة وبادرة «حسن نية» من الإدارة الأميركية الجديدة للإدارة الإيرانية الجديدة.